الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَمَّا جَآءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيۤءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقَالَ هَـٰذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ } * { وَجَآءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُواْ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ قَالَ يٰقَوْمِ هَـٰؤُلاۤءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُواْ اللًّهَ وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ } * { قَالُواْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ } * { قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِيۤ إِلَىٰ رُكْنٍ شَدِيدٍ } * { قَالُواْ يٰلُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُوۤاْ إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ ٱلْلَّيْلِ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ ٱمْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَآ أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ ٱلصُّبْحُ أَلَيْسَ ٱلصُّبْحُ بِقَرِيبٍ } * { فَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنْضُودٍ } * { مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ }

قوله - عز وجل -: { وَلَمَّا جَآءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيۤءَ بِهِمْ }: قوله: { سِيۤءَ بِهِمْ } قيل: أي: ساءه مجيئهم ومكانهم وكرههم لصنيع قومه بالغرباء مخافة أن يفضحوهم { وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً }: أي: لم يدر كيف يصنع بهم، وكيف يحتال ليدفع عن ضيفه سوء قومه.

والذرع: قيل: هو المقدرة والقوة، أي: ضاق مقدرته وقوته { وَقَالَ هَـٰذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ } قيل: فضيع شديد؛ لأنه يوم يهتك فيه الأستار، ويفضح الرجال.

وفيه دليل جواز الاجتهاد؛ لأنه قال: يوم عصيب فظيع، فبعد لم يظهر له شدته لكنه قاله اجتهاداً، والله أعلم.

ثم قوله: { وَلَمَّا جَآءَتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيۤءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً } [يحتمل: أن يكون قوله: { سِيۤءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً } لما جاءته الرسل بإهلاك قومه ساءه ذلك، وضاق به ذرعاً كذلك أيضاً. ويحتمل قوله: { سِيۤءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعاً } ] بسوء صنيع قومه بأضيافه، الحرفان جميعاً ينصرفان إلى لوط لمكان قومه، أو لمكان أضيافه، أو يكون أحد الحرفين لمكان ضيفه، والآخر لمكان ما ينزل بقومه، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { وَجَآءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ } قال بعضهم: يسرعون إليه.

وقال بعضهم: { يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ } أي: يهرولون إليه، وهو سير بين السعي وبين المشي بين بينين.

وقال بعضهم: [قوله] { يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ } أي: يروعون إليه، من الروع، أي: فزعين إليه، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { وَمِن قَبْلُ كَانُواْ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ } هذا يحتمل وجهين: يحتمل قوله: { وَمِن قَبْلُ } أي: من قبل أن يبعث لوط رسولا إليهم كانوا يعملون السيئات.

ويحتمل قوله: { وَمِن قَبْلُ } أي: من قبل نزول الأضياف بلوط كانوا يعملون السيئات، والسيئات تحتمل الشرك وغيره من الفواحش التي كانوا يرتكبونها، والله أعلم.

وقوله: { قَالَ يٰقَوْمِ هَـٰؤُلاۤءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ } اختلف في قوله: { بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ } قال بعضهم: أراد بنات قومه؛ لأن الرسل هم كالآباء لأولاد قومهم ينسبون إليهم؛ ألا ترى إلى قوله:ٱلنَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ } [الأحزاب: 6].

وفي حرف ابن مسعود رضي الله عنه، (وهو أب لهم كما أزواجه أمهاتهم والنبي أب لهم)؛ فعلى ذلك يحتمل قول لوط: { هَـٰؤُلاۤءِ بَنَاتِي } أراد بنات قومه فنسبهن إلى نفسه؛ لما ذكرنا أنّه كالأب لهم.

ثم يحتمل معنى جعل النبي لأولاد قومه كالأب، وأزواجه كالأم وجهين:

أحدهما: نسبوا إليه للشفقة، فهو أشفق بهم من الأب والأم.

أو: لحق التربية وتعليم الدين كالأب لهم؛ فهو أولى بهم من أنفسهم لهذين الوجهين.

وقال بعضهم: أراد بنات نفسه.

ثم اختلف فيه.

قال بعضهم: كان ذلك منه تعريضا لهم للنكاح؛ يقول: هؤلاء بناتي هن أطهر لكم نكاحاً إن كنتم قابلين للإيمان.

ومنهم من قال: هو تعريض منه لما هو زنا عندهم، لا أنه عرض ذلك عند نفسه، وهذا كما يقولون بأن من أكره على أن يشتم محمداً صلى الله عليه وسلم فلا بأس بأن يشتم ويقصد بشتمه محمداً آخر يحل له شتمه، وإن كان عند المكره أنه يشتم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن جعل الشاتم في قلبه [غيره]، وكذلك إذا أكره [على] أن يشتم الإله، فيقصد بالشتم شتم آلهتهم، وإن كان عندهم أنه [إنما] يشتم إلهه الذي يعبده؛ فعلى ذلك يحتمل قول لوط: { هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ } تعريض زنا عندهم، وإن كان عنده أنه ليس لذلك يقصد.

السابقالتالي
2 3 4