الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ جَآءَتْ رُسُلُنَآ إِبْرَاهِيمَ بِٱلْبُـشْرَىٰ قَالُواْ سَلاَماً قَالَ سَلاَمٌ فَمَا لَبِثَ أَن جَآءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ } * { فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُواْ لاَ تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَىٰ قَوْمِ لُوطٍ } * { وَٱمْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَآءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ } * { قَالَتْ يَٰوَيْلَتَىٰ ءَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ وَهَـٰذَا بَعْلِي شَيْخاً إِنَّ هَـٰذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ } * { قَالُوۤاْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ رَحْمَتُ ٱللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ } * { فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ ٱلرَّوْعُ وَجَآءَتْهُ ٱلْبُشْرَىٰ يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ } * { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ } * { يَٰإِبْرَٰهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَـٰذَآ إِنَّهُ قَدْ جَآءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ }

قوله - عز وجل -: { وَلَقَدْ جَآءَتْ رُسُلُنَآ إِبْرَاهِيمَ بِٱلْبُـشْرَىٰ }: اختلفوا في هذه البشارة؛ قال بعضهم: جاءوا هم ببشارة إسحاق والحافد. وهو قوله: { فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَآءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ }. وقال بعضهم: جاءوا ببشارة إهلاك قوم لوط وإنجاء لوط وأهله، قيل: لأن لوطا كان ابن أخي إبراهيم، وكان لوط فزع إلى الله بسوء عمل قومه وصنيعهم ودعا بالنجاة منهم، وهو قوله:إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِّنَ ٱلْقَالِينَ... } الآية [الشعراء: 168] حتى ذكر في بعض القصة أن سارة قالت لإبراهيم: ضم ابن أخيك إلى نفسك فإن قومه يعذبون، كأنها عرفت أنه لا يتركهم على ما هم عليه بسوء عملهم. قالوا: جاءوا بالبشارتين جميعاً: ببشارة الولد والحافد، وبشارة هلاك قوم لوط ونجاة لوط وأهله؛ إلى هذا يذهب بعض أهل التأويل.

وقوله - عز وجل -: { قَالُواْ سَلاَماً قَالَ سَلاَمٌ }: هذا يدل أن السلام هو سنة الأنبياء والرسل والملائكة في الدنيا والآخرة، ولم تخص هذه الأمة به بل كان سنة الرسل الماضية والأمم السالفة وكذلك هو تحية أهل الجنة لقوله:سَلاَمٌ عَلَيْكُـمْ طِبْتُمْ } [الزمر: 73] ونحوه، هذا يدل على ما ذكرنا.

ثم انتصاب قوله: { سَلاَماً } وارتفاع الثاني؛ لأن الأول انتصب لوقوع القول عليه كقولك: قال قولا، والثاني حكاية لقولهم.

وقوله - عز وجل -: { فَمَا لَبِثَ أَن جَآءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ }.

وقوله: { فَمَا لَبِثَ أَن جَآءَ } أي: ما لبث عندهم حتى اشتغل بتقديم شيء إليهم، وإلا قد يكون في ذبح العجل وشويه لبث إلا أن يكون العجل مشويّاً، فإن لم يكن مشويّاً فتأويله ما ذكرنا أن لم يلبث عندهم في المؤانسة والحديث معهم على ما يفعل مع الأضياف حتى جاء بما ذكر، وفيه ما ذكرنا من الأدب، وفيه دلالة فيمن نزل به ضيف ألا يشتغل بالسؤال عن أحوال ضيفه من أين وإلى أين؟ وما حاجتهم؟ ولكن يشتغل بقراهم وإزاحة حاجتهم؛ لأن إبراهيم - عليه السلام - إنما اشتغل بقراهم، لم يشتغل بالسؤال عن أحوالهم، ولكن اشتغل بما ذكرنا فجاء بعجل حنيذ، وهذا هو الأدب في الضيف، ألا ترى أنه لو كان سأل عن أحوالهم، فعرف أنهم من الملائكة لكان لا يشتغل بما ذكر؛ إذ عرف أنهم من الملائكة والملائكة لا يتناولون شيئاً من الطعام.

وقوله: { بِعِجْلٍ حَنِيذٍ } ، قال بعضهم: الحنيذ: السمين، وهو ما ذكر في موضع آخر:فَجَآءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ } [الذاريات: 26].

وقال بعضهم: الحنيذ هو المشوي الذي خد في الأرض خدّاً، فحمي فشوي بالحجر المحمي.

وقال بعضهم: الحنيذ هو المشوي الذي يسيل منه الماء.

وقال ابن عباس: الحنيذ: النضيج.

وقوله - عز وجل -: { فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ }.

قال بعضهم: نكرهم وأنكرهم واستنكرهم: واحد، وهو من الإنكار، أي: لم يعرفهم؛ ظن أنهم لصوص؛ لأن اللصوص من عادتهم أنهم كانوا إذا أرادوا السرقة من قوم لم يتناولوا من طعامهم، ولم يأكلوا شيئاً عندهم.

السابقالتالي
2 3 4