الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ } * { وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَق ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى ٱلْمَآءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَلَئِن قُلْتَ إِنَّكُمْ مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ ٱلْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ } * { وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ ٱلْعَذَابَ إِلَىٰ أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ لَّيَقُولُنَّ مَا يَحْبِسُهُ أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ }

قوله - عز وجل -: { وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ رِزْقُهَا }: قال بعضهم: عنى بالدابة الممتحن به وهو [البشر، وأما غيره من الدواب فقد سخرها للمتحن به.

وقال قائلون: أراد كل دابة تدب على وجه الأرض من الممتحن به وغيره وتمامه: ما من دابة في الأرض] جعل قوامها وحياتها بالرزق إلا على الله إنشاء ذلك الرزق لها، ثم من الرزق ما جعله بسبب، ومنه ما جعله بغير سبب.

وقوله - عز وجل -: { إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ رِزْقُهَا }: اختلف فيه أيضاً:

قال بعضهم: قوله: { عَلَى ٱللَّهِ رِزْقُهَا } أي: على الله إنشاء رزقها وخلقه لها الذي به قوامها وحياتها؛ وهو كقوله:وَفِي ٱلسَّمَآءِ رِزْقُكُمْ } [الذاريات: 22] أي: ينشئ ويخلق رزقنا بسبب من السماء من المطر وغيره؛ فعلى ذلك قوله: { عَلَى ٱللَّهِ رِزْقُهَا } أي: على الله إنشاء رزقها وخلقه لها.

وقيل: { عَلَى ٱللَّهِ رِزْقُهَا } أي: على الله أن يبلغ إليها رزقها وما قدر لها وما به معاشها كقوله:وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا... } الآية [فصلت: 10]: عليه تبليغ رزقها وما به معاشها. ثم قوله: { عَلَى ٱللَّهِ رِزْقُهَا }: قال بعضهم: ما جاءها من الرزق إنما جاءها من الله لم يأتها من غيره وعلى الله بمعنى من الله وذلك جائز في اللغة؛ كقوله:إِذَا ٱكْتَالُواْ عَلَى ٱلنَّاسِ } [المطففين: 2] أي: من الناس؛ وهو قول مجاهد. ويحتمل قوله: { عَلَى ٱللَّهِ رِزْقُهَا } أي: على الله وفاء ما وعد، وقد كان وعد أن يرزقها، فعليه وفاء وعده وإنجازه.

ويحتمل وجهاً آخر: وهو أنه علم لما خلقها علم أنه يبقيها إلى وقت عليه تبليغ ما به تعيش إلى ذلك الوقت والأجل الذي خلقها ليبقيها إلى ذلك؛ وبعضه قريب من بعض.

وقوله - عز وجل -: { وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا }: اختلف فيه:

قال بعضهم: مستقرها بالليل، ومستودعها بالنهار في معاشها.

وقال بعضهم: المستقر: الرحم، والمستودع: الصلب.

وقال بعضهم: المستقر: الصلب، والمستودع: الرحم.

وقال بعضهم: المستقر: المتقلب في الدنيا، والمستودع: مثواها في الآخرة؛ كقوله:وَٱللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ } [محمد: 19] في الدنيا وتحرككم في معاشكموَمَثْوَاكُمْ } [محمد: 19] أي: قراركم ومقامكم في الآخرة.

وقال بعضهم: مستقرها في الدنيا، ومستودعها في القبر.

ويشبه أن يكون هذا إخباراً عن العلم بها في كل حال في حال سكونها وفي حال حركتها؛ لأنها لا تخلو إما أن تكون ساكنة أو متحركة، أي: يعلم عنها كل حالها ويشبه أن يكون صلة ما تقدم وهو قوله:أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ... } الآية [هود: 5]، يخبر أنه إذا لم يخف عليه كون كل دابة في بطن الأرض، وما تغيض به الأرحام وما استودع في الأصلاب، كيف يخفى عليه أعمالهم التي عليها العقاب ولكم بها الثواب وفيها الأمر والنهي؟! والله أعلم.

السابقالتالي
2 3