الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يٰقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُمْ مِّنَ ٱلأَرْضِ وَٱسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَٱسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوۤاْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ } * { قَالُواْ يٰصَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوّاً قَبْلَ هَـٰذَا أَتَنْهَانَآ أَن نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَآ إِلَيْهِ مُرِيبٍ } * { قَالَ يٰقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةً مِّن رَّبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَن يَنصُرُنِي مِنَ ٱللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ } * { وَيٰقَوْمِ هَـٰذِهِ نَاقَةُ ٱللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِيۤ أَرْضِ ٱللَّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوۤءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ } * { فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ذٰلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ } * { فَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحاً وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ ٱلْقَوِيُّ ٱلْعَزِيزُ } * { وَأَخَذَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ ٱلصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ } * { كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَآ أَلاَ إِنَّ ثَمُودَ كَفرُواْ رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْداً لِّثَمُودَ }

قوله - عز وجل -: { وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً }: هو ما ذكرنا، أي: أرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحاً.

وقوله: { أَخَاهُمْ }: قد ذكرنا أيضاً أن الأخوة تتجه إلى وجوه ثلاثة: أخوة في الدين، وأخوة في الجنس، وأخوة في النسب [فهو لا يحتمل أن يكون أخاهم في الدين، لكنه يحتمل أن يكون أخاهم من الوجهين الآخرين في الجنس والنسب].

وقوله - عز وجل -: { قَالَ يٰقَوْمِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ }: إن الرسل صلوات الله عليهم جميعاً أول ما دعوا قومهم إنما دعوا إلى توحيد الله وجعل العبادة له؛ لأن غيره من العبادات إنما يقوم بالتوحيد، فكان أول ما دعاهم قومهم إليه لم يزل عادة الرسل وعملهم الدعاء إلى توحيد الله والعبادة له.

وقوله - عز وجل -: { هُوَ أَنشَأَكُمْ مِّنَ ٱلأَرْضِ }: وقال بعض أهل التأويل: { هُوَ أَنشَأَكُمْ مِّنَ ٱلأَرْضِ } يقول: هو خلقكم من آدم وخلق آدم من الأرض، لكنه أضاف خلق الخلائق إليها؛ كما أضاف في قوله:هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ... } الآية [الأعراف: 189]، أخبر أنه خلقنا من نفسه، أي: آدم، وإن لم تكن أنفسنا منه؛ فعلى ذلك إضافته إيانا بالخلق من الأرض، وإن لم يخلق أنفسنا منها، أي: خلق أصلنا وأنشأه من الأرض، فأضاف إنشاءنا إلى ما أنشأ أصلنا.

ويشبه أن يكون قوله: { هُوَ أَنشَأَكُمْ مِّنَ ٱلأَرْضِ } أي: جعل نشأة الخلائق كلهم ونماءهم وحياتهم ومعاشهم بالخارج من الأرض؛ إذ به نشوءهم ونماؤهم وحياتهم وقوامهم منها.

وقوله - عز وجل -: { وَٱسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا }: قال بعضهم: [أسكنكم فيها، وقال بعضهم: استخلفكم فيها. وقال بعضهم: قوله: { وَٱسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا } ] أي: جعلكم عمار الأرض تعمرونها لمعادكم ومعاشكم، جعل عمارة هذه الأرض إلى الخلق هم الذين يقومون بعمارتها وبنائها وأنواع الانتفاع بها، ويرجع كله إلى واحد. وقال بعضهم في قوله: { وَٱسْتَعْمَرَكُمْ } أي: جعل عمركم طويلا.

وقوله - عز وجل -: { فَٱسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوۤاْ إِلَيْهِ }: هذا قد ذكرنا فيما تقدم في قصة نوح، أي: كونوا بحال يغفر لكم؛ وهو كقوله:إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ } [الأنفال: 38] كأنه قال: فإن انتهوا عن الكفر يغفر لهم.

وقوله - عز وجل -: { إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ }: لحفظ الخلائق أو قريب لمن أنعم عليهم وأمثاله، أو قريب إلى كل من يفزغ إليه، مجيب لدعاء كل داع استجاب له؛ كقوله:وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي... } الآية [البقرة: 186]؛ وكقوله:وَأَوْفُواْ بِعَهْدِيۤ... } الآية [البقرة: 40].

وقوله - عز وجل -: { قَالُواْ يٰصَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوّاً قَبْلَ هَـٰذَا أَتَنْهَانَآ أَن نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا }: قال بعضهم: قولهم: { قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوّاً } كنت ترحم الضعفاء وتعود المرضي ونحو ذلك من الكلام، فالساعة صرت على خلاف ذلك.

السابقالتالي
2 3 4