الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَقِيلَ يٰأَرْضُ ٱبْلَعِي مَآءَكِ وَيٰسَمَآءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ ٱلْمَآءُ وَقُضِيَ ٱلأَمْرُ وَٱسْتَوَتْ عَلَى ٱلْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } * { وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ٱبْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ ٱلْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ ٱلْحَاكِمِينَ } * { قَالَ يٰنُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْئَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّيۤ أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ ٱلْجَاهِلِينَ } * { قَالَ رَبِّ إِنِّيۤ أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِيۤ أَكُن مِّنَ ٱلْخَاسِرِينَ } * { قِيلَ يٰنُوحُ ٱهْبِطْ بِسَلاَمٍ مِّنَّا وَبَركَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَىٰ أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ } * { تِلْكَ مِنْ أَنْبَآءِ ٱلْغَيْبِ نُوحِيهَآ إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَآ أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَـٰذَا فَٱصْبِرْ إِنَّ ٱلْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ }

قوله: { وَقِيلَ يٰأَرْضُ ٱبْلَعِي مَآءَكِ وَيٰسَمَآءُ أَقْلِعِي }: قال بعضهم: عاد كل ماء إلى من حيث خرج: ما أرسل من السماء عاد إليها، وما خرج من الأرض غاض في الأرض وغار فيها.

وقال بعضهم: لا ولكن أمسك السماء من إرساله، وأمسك الأرض من نبعه.

وقوله - عز وجل -: { وَقِيلَ يٰأَرْضُ ٱبْلَعِي مَآءَكِ وَيٰسَمَآءُ أَقْلِعِي } ليس على القول لهم، ولكن الله أمسكهما من إرساله ونبعه.

ويحتمل على القول منه لهم باللطف جعل فيهم ما يفهم هذا.

{ وَغِيضَ ٱلْمَآءُ } أي: غار الماء في الأرض.

{ وَقُضِيَ ٱلأَمْرُ }: بهلاك قوم نوح ويحتمل على التكوين على ما ذكر { وَٱسْتَوَتْ عَلَى ٱلْجُودِيِّ } أي: استقرت على الجودي وهو جبل { وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } أي هلاكا ويحتمل بعدا للقوم الظالمين من رحمة الله. وقال القتبي: مرساها أي تقف.

وقوله - عز وجل -: { يَعْصِمُنِي مِنَ ٱلْمَآءِ }: يمنعني من الماء، وقال: { لاَ عَاصِمَ ٱلْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ } قال القتبي: لا معصوم اليوم من عذاب الله؛ كقوله:مِن مَّآءٍ دَافِقٍ } [الطارق: 6] أي: مدفوق، وأصله لا عاصم أي: لا شيء يمنع اليوم من نزول عذاب الله عليهم ولا دافع لهم منه.

وقوله - عز وجل -: { وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ٱبْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ ٱلْحَقُّ... } الآية، فقال: { يٰنُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ }.

هذا - والله أعلم - كان عند نوح أن ابنه كان على دينه لما لعله كان يظهر الموافقة له، وإلا لا يحتمل أن يقول: إن ابنييمن أهلي ويسأله نجاته، وقد سبق منه النهي في سؤال مثله حيث قال: { وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ إِنَّهُمْ مُّغْرَقُونَ } ولا يحتمل أن يكون يعلم أنه على غير دينه، ثم يسأل له النجاة بعدما نهاه عن المخاطبة في الذين ظلموا، فقال: إنه ليس من أهلك في الباطن والسر، والإخرج هذا القول مخرج تكذيب رسوله، لكن الوجه فيه ما ذكرنا أنه كان في الظاهر عنده أنه على دينه لما كان يظهر له الموافقة، وكان لا يعرف ما يضمره فسأله على الظاهر الذي عنده؛ وكذلك أهل النفاق كانوا يظهرون الموافقة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ويضمرون الخلاف له، وكانوا لا يعرفون نفاقهم إلا بعد إطلاع الله إياه؛ فعلى ذلك نوح كان لا يعرف ما كان يضمر هو لذلك خرج سؤاله فقال: { إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ } الذي وعدت النجاة لهم، أو ليس من أهلك؛ لأنه لم يؤمن بي ولم يصدقك فيما أخبرت أنه عمل غير صالح.

روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يقرأ: (عَمِلَ غَيْرَ صالحٍ) بغير تنوين. وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه قرأه: { عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ } بالتنوين.

السابقالتالي
2 3 4 5