الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ حَتَّىٰ إِذَا جَآءَ أَمْرُنَا وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ قُلْنَا ٱحْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ ٱلْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَآ آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ } * { وَقَالَ ٱرْكَبُواْ فِيهَا بِسْمِ ٱللَّهِ مَجْريٰهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَٱلْجِبَالِ وَنَادَىٰ نُوحٌ ٱبْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يٰبُنَيَّ ٱرْكَبَ مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ ٱلْكَافِرِينَ } * { قَالَ سَآوِيۤ إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ ٱلْمَآءِ قَالَ لاَ عَاصِمَ ٱلْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ ٱللَّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا ٱلْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ ٱلْمُغْرَقِينَ }

قوله - عز وجل -: { حَتَّىٰ إِذَا جَآءَ أَمْرُنَا وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ }.

قوله: { جَآءَ أَمْرُنَا } أي: جاء وقت أمرنا بالعذاب الذي استعجلوه؛ كقولهم:فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } [الأعراف: 70]؛ وكذلك كانت عادة الأمم السالفة استعجال العذاب من رسلهم، وسمي العذاب أمر الله؛ لما لا صنع لأحد فيه، وكذلك المرض سمي أمر الله؛ لما لا صنع لأحد من الخلائق فيه، وسمى الصلاة أمر الله؛ لما بأمره يصلي.

وقوله - عز وجل -: { وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ }: قال أبو عوسجة: { وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ } يقال: فار الماء أي خرج يفور فوراً، أي: غلى كما تغلي القدر وتصديقه قوله:وَهِيَ تَفُورُ * تَكَادُ... } [الملك: 7-8] قالوا: فار أي: خرج وظهر.

والتنور: اختلف فيه؛ قال بعضهم: التنور هو وجه الأرض، قالوا: إذا رأيت الماء خرج ونبع وظهر على وجه الأرض فاركب.

وقال بعضهم: التنور هو التنور الخابزة التي يخبز فيها، قالوا: إذا رأيت الماء نبع من تنورك فاركب، قالوا: كان الماء ينزل من السماء وينبع من الأرض؛ كقوله:فَفَتَحْنَآ أَبْوَابَ ٱلسَّمَآءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا ٱلأَرْضَ عُيُوناً } [القمر: 11-12]، لكن جعل علامة وقت ركوبه السفينة هو خروج الماء من الأرض ونبعه منها.

وقوله - عز وجل -: { قُلْنَا ٱحْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ }: يحتمل هذا وجهين:

يحتمل إن كنا قلنا له إذا فار التنور: احمل فيها من كل زوجين اثنين.

ويحتمل: إن قلنا له وقت فور الماء من التنور: احمل فيها من كل زوجين اثنين.

ويحتمل وقوله - عز وجل -: { مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ }: الزوج هو اسم فرد لذي شفع ليس هو اسم الشفع حتى يقال عند الاجتماع ذلك، ولكن ما ذكرنا أنه اسم فرد لذي شفع كان الإناث صنفاً وزوجاً والذكور صنفاً وزوجاً، فيكون الذكر والأنثى زوجين، والله أعلم.

وقوله: { زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ } أي: من ذكر وأنثى ثم يحتمل زوجين من ذوي الأرواح التي تكون لهم النسل؛ لئلا ينقطع نسلهم.

ويحتمل ذوي الأرواح وغيره، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ ٱلْقَوْلُ }: قال بعضهم: قوله: { وَأَهْلَكَ } أراد أهله والذين آمنوا معه، يقول: احمل فيها من كل زوجين اثنين، واحمل أهلك أيضاً إلا من قد سبق عليه القول، أي: إلا من كان في علم الله أنه لا يؤمن، أو إلا من كان في علم الله أنه يهلك.

وقال بعضهم: قوله: { وَأَهْلَكَ } أراد أهله خاصّة، ثم استثنى من سبق عليه القول، وهو ابنه وزوجته وهما من أهله، ألا ترى أنه ذكر من بعد من آمن معه وهو قوله: { وَمَنْ آمَنَ وَمَآ آمَنَ مَعَهُ } أي: احمل أهلك الذين آمنوا معك إلا من سبق عليه القول من أهلك وغيره أنه في الهالكين.

السابقالتالي
2 3