الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَأُوحِيَ إِلَىٰ نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ } * { وَٱصْنَعِ ٱلْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي ٱلَّذِينَ ظَلَمُوۤاْ إِنَّهُمْ مُّغْرَقُونَ } * { وَيَصْنَعُ ٱلْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ } * { فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ }

قوله - عز وجل -: { وَأُوحِيَ إِلَىٰ نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ } قال بعضهم: إن نوحاً عليه السلام لم يدع على قومه بالهلاك ما دام يرجو ويطمع من قومه الإيمان، فإذا أيس وانقطع رجاؤه وطمعه فيحنئذ دعا عليهم بالهلاك؛ كقوله:رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى ٱلأَرْضِ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ دَيَّاراً } [نوح: 26] أي أحداً،إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّواْ عِبَادَكَ... } الآية [نوح: 27]، وعرف الإياس عن إيمانهم بقوله: { وَأُوحِيَ إِلَىٰ نُوحٍ... } الآية؛ وكذلك سائر الأنبياء والرسل لم يؤذن [لهم] بالدعاء على قومهم بالهلاك والخروج من بين أظهرهم، وما داموا يرجون ويطمعون منهم الإيمان والإجابة لهم، فإذا أيسوا وانقطع رجاؤهم وطمعهم عن ذلك، فعند ذلك أذن لهم بالدعاء عليهم بالهلاك والخروج من بين أظهرهم [وعلى ذلك عوتب يونس بالخروج من بين أظهرهم قبل أن يؤذن له بالخروج من بينهم].

وفي قوله: { لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ } دلالة أن للإيمان حكم التجدد والابتداء في كل وقت [وفي] كل حال؛ لأنه أخبر أن الذي قد آمن قد يؤمن في حادث الوقت؛ وعلى ذلك يخرج الزيادات التي ذكرت في الإيمان فزادتهم إيمانا ونحوه، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ } قيل: لا تحزن بما كانوا يفعلون، فهو يحتمل وجهين:

أحدهما: لا تحزن بكفرهم بالله وتكذيبهم إياك، ليس على النهي عن الحزن في ذلك، بل على دفع الحزن عنه والتسلي به؛ لأن الأنبياء - عليهم السلام - كانوا يحزنون بكفر قومهم بالله وجعلهم أنفسهم أعداء له؛ كقوله لرسول الله صلى الله عليه وسلم:لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ... } الآية [الشعراء: 3]، وقوله:فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ } [فاطر: 8] وأمثاله، كان الأنبياء - عليهم السلام - أشدّ الناس حزنا بكفر قومهم بالله وتكذيبهم آياته وأشدهم رغبة في إيمانهم، وكان حزنهم لم يكن على هلاكهم ألا ترى أن نوحا دعا عليهم بالهلاك وكذلك سائر الأنبياء - عليهم السلام - دل أن حزنهم كان لمكان كفرهم بالله وتكذيبهم آياته، لا لمكان هلاكهم إشفاقاً على أنفسهم.

والثاني: قوله: { فَلاَ تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ } يحتمل أنهم كانوا هموا قتله والمكر به، فقال: لا تحزن بما كانوا يسعون في هلاكك فإني كافيهم قال أبو عوسجة: قوله: { فَلاَ تَبْتَئِسْ } هو من الحزن، يقال: ابتأس يبتئس ابتئاساً. قال الكسائي - أيضاً - لا تبتئس أي: لا تحزن هو من البأس، يقال: لا تبتئس بهذا الأمر.

وقوله - عز وجل -: { وَٱصْنَعِ ٱلْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا }: قال بعض أهل التأويل: { بِأَعْيُنِنَا } بأمرنا ووحينا، وقال بعضهم: بمنظرنا ومرآنا، ولكن عندنا يحتمل وجهين، أحدهما: قوله: { بِأَعْيُنِنَا } أي: بحفظنا ورعايتنا، يقال: عين الله عليك أي حفظه عليك، ثم لا يفهم من قوله: { بِأَعْيُنِنَا } نفس العين على ما لا يفهم من [قوله]:

السابقالتالي
2