الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً أُوْلَـٰئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَىٰ رَبِّهِمْ وَيَقُولُ ٱلأَشْهَادُ هَـٰؤُلاۤءِ ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَىٰ رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلظَّالِمِينَ } * { ٱلَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً وَهُمْ بِٱلآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ } * { أُولَـٰئِكَ لَمْ يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِنْ أَوْلِيَآءَ يُضَاعَفُ لَهُمُ ٱلْعَذَابُ مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ ٱلسَّمْعَ وَمَا كَانُواْ يُبْصِرُونَ } * { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ } * { لاَ جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ هُمُ ٱلأَخْسَرُونَ } * { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوۤاْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } * { مَثَلُ ٱلْفَرِيقَيْنِ كَٱلأَعْمَىٰ وَٱلأَصَمِّ وَٱلْبَصِيرِ وَٱلسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ }

قوله - عز وجل -: { وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً } هو ما ذكرنا أن لا أحد أظلم على نفسه ممن أخذ نفسه من معبوده وشغلها في عبادة من لا يملك له نفعاً إن عبده ولا ضر إن ترك عبادته، أو يقول: لا أحد أظلم على نفسه ممن ألقى نفسه الطاهرة في عذاب الله ونقمته أبداً بافترائه على الله، وبالله العصمة والقوة.

وفي التأويل لا أحد أظلم على نفسه ممن افترى على الله كذباً، وفي المعنى لا أحد أفحش ظلماً ممن افترى على الله كذباً بعد معرفته أن جميع ما له من الله تعالى.

وقوله - عز وجل -: { أُوْلَـٰئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَىٰ رَبِّهِمْ } أي: أولئك الذين تعرض أعمالهم على أنفسهم عند ربهم، فإن وافقت أعمالهم [ما في] شهادة خلقتهم أدخلوا الجنة، وإن خالفت أعمالهم شهادة خلقتهم أدخلوا النار، تعرض أعمالهم على أنفسهم عند ربهم؛ لأن الله عز وجل عالم بما كان منهم من الأعمال والأقوال على ربهم، أي: عند ربهم؛ كقوله:وَلَوْ تَرَىٰ إِذْ وُقِفُواْ عَلَىٰ رَبِّهِمْ } [الأنعام: 30] [أي: عند ربهم] وتأويله ما ذكرنا يعرضون على ربهم لأنفسهم؛ لأنهم إنما يؤمرون وينهون ويمتحنون لأنفسهم ولمنفعة أنفسهم فيكون عرضهم لهم، أو أن يكون قوله: { أُوْلَـٰئِكَ يُعْرَضُونَ } على ما وعدهم ربهم في الدنيا، أو يقول: أولئك يعرضون لأنفسهم على ربهم من غير غيبة كانت منه، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { وَيَقُولُ ٱلأَشْهَادُ هَـٰؤُلاۤءِ ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَىٰ رَبِّهِمْ }: اختلف فيه:

قيل: الأشهاد: الرسل والأنبياء.

وقال بعضهم: الأشهاد: الملائكة.

وقال بعضهم: الأشهاد: المؤمنون. فمن قال: هم الأنبياء والمؤمنون؛ فهو كقوله:لِّتَكُونُواْ شُهَدَآءَ عَلَى ٱلنَّاسِ وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً } [البقرة: 143]؛ وكقوله:وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَـٰؤُلاۤءِ شَهِيداً } [النساء: 41] ومن قال: هم الملائكة؛ كقوله:مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } [ق: 18]، وقوله:وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ... } الآية [الانفطار: 10-11]، ونحوه.

ومعناه - والله أعلم - أنه: تعرض أعمالهم وأقوالهم على أنفسهم فإن أقروا بها بعثوا إلى النار، وإن أنكروا يشهد عليهم ما ذكر من الشهداء فإن أنكروا يقال له:ٱقْرَأْ كِتَٰبَكَ... } الآية [الإسراء: 14]، فإن أنكروا ذلك [فعند ذلك] تشهد عليهم جوارحهم؛ كقوله:يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ... } الآية [النور: 24].

ويحتمل أن يكون الملائكة نادوا في ملأ الخلق قبل أن يدخلوا النار: هؤلاء الذين كذبوا على ربهم.

ويحتمل ما ذكر من شهادة الذين كانو موكلين بكتابة أعمالهم وأقوالهم يخبرون عما كتبوا في الكتب.

وقوله - عز وجل -: { أَلاَ لَعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلظَّالِمِينَ }: اللعنة. قال بعضهم: هي الطرد عن جميع المنافع والإبعاد عن رحمة الله في الدنيا عن دينه وفي الآخرة عن ثوابه.

السابقالتالي
2 3 4 5