الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ } * { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ إِلاَّ ٱلنَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } * { أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَىٰ إِمَاماً وَرَحْمَةً أُوْلَـٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ ٱلأَحْزَابِ فَٱلنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِّنْهُ إِنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ }

قوله - عز وجل -: { مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا وَزِينَتَهَا... } الآية اختلف فيه:

قال بعضهم: الآية في أهل الإيمان الذين عملوا الصالحات مراءاة للخلق يقول: { نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا } من الذكر فيها والشرف، وما طلبوا بأعمالهم في الدنيا من المباهاة وغيره، آتاهم الله في الدنيا جزاء لتلك الأعمال التي عملوها وبطل ما صنعوا وباطل ما كانوا يعملون؛ لأنهم عملوا لغير الله، فلا يجزون في الآخرة بأعمالهم تلك، وإلى هذا يذهب ابن عباس.

وروي في بعض الأخبار " أن نبي الله صلى الله عليه وسلم سئل: ما بال العبد المعروف بالخير يشدد عليه عند الموت، والرجل المعروف بالشرّ يهون عليه الموت؟! فقال: " المؤمن تكون له ذنوب فيجازى بها عند موته، فيفضي إلى الله في الآخرة ولا ذنب عليه، والكافر يكون له الحسنات فيجازى بها عند الموت يخفف عنه بها كرب الموت، ثم يفضي إلى الآخرة وليست له حسنة " أو كلام نحوه.

وقال بعضهم: الآية في أهل الكفر يعملون أعمالا هي في الظاهر صالحة؛ نحو: التصدق على الفقراء وعمارات الطرق واتخاذ القناطر والرباطات هي في الظاهر صالحة، يقول: نوف لهم جزاء أعمالهم التي عملوها في الدنيا لا ننقص منها شيئاً فهو ما وسع عليهم الدنيا.

وجائز أن يكون قوله: { نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا } أي: نرد إليهم أعمالهم التي عملوها فلا نقبلها ويكون إيفاء أعمالهم الرد.

وقوله - عز وجل -: { وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ } أي: لا ينقصون ما قدر لهم من الرزق إلى انقضاء مدتهم وآجالهم بشركهم بالله.

وقوله: { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ إِلاَّ ٱلنَّارُ }: على هذا التأويل [ظاهر ليس لأهل الكفر في الأخرة إلا النار] وعلى التأويل الذي قال: إنها في أهل الإيمان، أي: لا يستوجبون بتلك الأعمال التي عملوها مراءاة إلا النار؛ لأنه إذا راءى فيها لم يخلصها لله وضيع أمره، وكل من ضيع أمر الله وفريضته يستوجب التعذيب عليه وله العفو، وليس في الآية أنه لا محالة يعذبهم بعملهم المراءاة، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { فَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّمَآ أُنزِلَ بِعِلْمِ ٱللَّهِ } فيه دلالة نقض قول الجهمية والمعتزلة بنفيهم العلم عن الله، وفي الآية إثبات العلم له بقوله: { أُنزِلَ بِعِلْمِ ٱللَّهِ }.

وقوله - عز وجل -: { أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ }.

وقوله: { أَفَمَن } حرف يقتضي الجواب لكن الجواب له لم يخرج في الظاهر؛ لأن جوابه أن يقول: أفمن كان على بينة من ربّه كمن ليس على بينة من ربه كما قال في آية أخرى:أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ } [النحل: 17]؛ وكقوله:أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ ٱلْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَىٰ }

السابقالتالي
2 3