قوله - عز وجل -: { وَقُل لِّلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ ٱعْمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ } المكانة هي: المنزلة والقدر، يقول: اعملوا أنتم على مكانتكم ومنزلتكم التي لكم عند أتباعكم، كأنه يخاطب به الأشراف منهم والرؤساء { إِنَّا عَامِلُونَ } على المكانة والمنزلة التي لنا عند الله فننظر أينا أرجح؟ نحن أو أنتم؟ وأينا أخسر نحن أو أنتم؟ وقوله - عز وجل -: { ٱعْمَلُواْ عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ } يخرج على وجهين: أحدهما: على التوبيخ والتخويف عندما بالغ في الحجاج فلم ينجع فيهم، فقال عند ذلك كقوله:{ لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ } [الكافرون: 6] ونحوه. والثاني: على الإعجاز مما أرادوا به من المكر والكيد بقوله: اعملوا ما تريدون وأنا أعمل. وقوله - عز وجل -: { وَٱنْتَظِرُوۤاْ } أنتم بنا ذلك { إِنَّا مُنتَظِرُونَ } بكم ذلك. أو يقول هذا لما كانوا يوعدونه ويخوفونه من أنواع الوعيد، فيقول: انتظروا بنا ذلك ما تخوفوننا إنا منتظرون بكم ما نخوفكم نحن، والله أعلم. وقوله - عز وجل -: { وَلِلَّهِ غَيْبُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } قال بعض أهل التأويل: ولله غيب نزول العذاب وغيب ما في الأرض؛ كأنه خرج جواب ما سألوه من العذاب؛ كقوله:{ وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِٱلْعَذَابِ وَلَوْلاَ أَجَلٌ مُّسَمًّى لَّجَآءَهُمُ ٱلْعَذَابُ } [العنكبوت: 53] وكقوله:{ وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَـٰذَا ٱلْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } [يونس: 48] وقوله:{ ٱئْتِنَا بِعَذَابِ ٱللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّادِقِينَ } [العنكبوت: 29] فقال: { وَلِلَّهِ غَيْبُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } أي: علم ذلك عند الله، وكقوله:{ قُل لَّوْ أَنَّ عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ ٱلأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ } [الأنعام: 58] وأمثاله. ويشبه أن يكون جواب ما تحكموا على الله من إنزال القرآن، وجعل الرسالة في غيره كقولهم:{ وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } [الزخرف: 31] و{ لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ ٱلْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً } [الفرقان: 32] فقال:{ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ... } الآية [الزخرف: 32]، وقال:{ ٱللَّهِ ٱللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ } [الأنعام: 124] فعلى ذلك قوله: { وَلِلَّهِ غَيْبُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ } لا إلى الخلق، والله أعلم بما أراد { وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ ٱلأَمْرُ كُلُّهُ } إليه يرجع أمر الخلق كله وتدبيرهم { فَٱعْبُدْهُ } أي: اعبده في خاص نفسك { وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ } في تبليغ الرسالة إليهم، أي: لا يمنعنك كيدهم ومكرهم بك عن تبليغ الرسالة، ولا تخافن منهم، فإن الله يحفظك من كيدهم ومكرهم بك؛ كقوله:{ وَٱللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِ } [المائدة: 67] و { وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } هذا يؤيد ما ذكرناه؛ أي: ما ربك بغافل عما يريدون بك من كيدهم ومكرهم؛ بل يعلم ذلك، وينصرك، وينتصر منهم، وهو كقوله لموسى وهارون:{ فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ * قَالاَ رَبَّنَآ إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَآ أَوْ أَن يَطْغَىٰ * قَالَ لاَ تَخَافَآ إِنَّنِي مَعَكُمَآ أَسْمَعُ وَأَرَىٰ } [طه: 44-46] أي: اسمع قوله وجوابه [إياكما، وأرى ما يفعل، أي: أنصركما فلا تخافا؛ فعلى ذلك الأول، والله سبحانه وتبارك وتعالى أعلم].