الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَن يَقُولُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَآءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّمَآ أَنتَ نَذِيرٌ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ } * { أَمْ يَقُولُونَ ٱفْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَٰتٍ وَٱدْعُواْ مَنِ ٱسْتَطَعْتُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } * { فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ فَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّمَآ أُنزِلَ بِعِلْمِ ٱللَّهِ وَأَن لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنتُمْ مُّسْلِمُونَ }

قوله: { فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ } ، وإن كان معلوماً أنه لا يترك؛ كقوله:وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُشْرِكَينَ } [الأنعام: 14]،فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُمْتَرِينَ } [البقرة: 147] وأمثاله، نهاه وإن كان معلوماً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفعل ذلك، وإنما احتمل النهي كما يقول الرجل لآخر لعلك تريد أن تفعل كذا فهو نهاه عن ذلك.

والثاني: يقال عند القرب إلى الفعل والدنو منه؛ كقوله:لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً } [الإسراء: 74] يقال: حرف " كاد " عند الميل إليه والقرب منه طمعا منه في إيمانهم، وذلك فيما يحل له الترك، وذلك ما قيل من نحو سب آلهتهم وذكر العيب فيها، ويحل له ترك سب آلهتهم وشتمها. وكذلك يخرج قوله:لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ } [الشعراء: 3] على هذين الوجهين، على المنع ألا يحمل على نفسه إشفاقاً على أنفسهم ألا يؤمنوا ما يوجب تلفه.

والثاني: على التخفيف؛ كقوله:وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ... } الآية [الحجر: 88]، وقوله:وَلاَ تَخَافِي وَلاَ تَحْزَنِيۤ } [القصص: 7] هو على التخفيف ليس على النهي.

وفي قوله: { فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ... } الآية وجه آخر: وهو نهي يخرج مخرج البشارة [له بما] كان يخاف من ضيق صدره واشتغال قلبه عند سوء معاملتهم إياه، فيقع له فيه تأخير في إبلاغ ما أمر بتبليغه فأمنه الله عن ذلك وعصمه.

والوجه الثاني: في النهي عن ذلك هو ما يقع له فيه الرجاء، وذلك أن الأخيار إذا ابتلوا بالأشرار قد يؤذن لهم بمفارقتهم وترك الأمر فيهم، فلعله كان يقع له في مثله الرجاء أنه قد يؤذن له، في حال من الأحوال بتأخير التبليغ، فأيئسه عن ذلك وكلفه بتبليغ ما أمر له في جميع أحواله و { بَعْضَ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ } يحتمل ما ذكر أهل التأويل من سب آلهتهم وعيبها وما تدعو إليه.

وقوله - عز وجل: { وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ }: يضيق صدره بما يقولون له استهزاء، وكذلك الحق أن كل من استهزئ به أن يضيق صدره لما لا يقدر على إتيان ما طلبوا منه من الكنز وإنزال الملك، وقد وعدوا أن يؤمنوا لو فعل، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ أَوْ جَآءَ مَعَهُ مَلَكٌ }: لأن للكنز والملك محلاًّ في قلوب أولئك وقدراً فقالوا: لولا أنزل عليه كنز [فيعظموه فيصدق على ما يدعي، وكذلك الملك له محل عظيم عندهم إذا كان معه عظموه وصدقوه.

وقوله: { إِنَّمَآ أَنتَ نَذِيرٌ } أثر قولهم: لولا أنزل عليه كنز] أو جاء معه ملك أي: إنما أنت نذير ليس عليك إتيان ما سألوا، إنما ذلك تحكم منهم على الله تعالى وأمانيُّ، فعليك إبلاغ ما أنزل إليك؛ كقوله:إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ ٱلْبَلاَغُ }

السابقالتالي
2