الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ ٱلْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْفَسَادِ فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَٱتَّبَعَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَآ أُتْرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ } * { وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ } * { وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ ٱلنَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ } * { إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذٰلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ } * { وَكُـلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ ٱلرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَآءَكَ فِي هَـٰذِهِ ٱلْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ }

قوله - تعالى -: { فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ ٱلْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْفَسَادِ فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً } ظاهر هذا يخرج على المعاتبة أو التنبيه والتذكير؛ لأنه يقول: { فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ ٱلْقُرُونِ } أي: لم لا كانوا كذا؟ فليس ثم من أولئك من يعاتب أو ينبه، لكنها تخرج على وجهين:

أحدهما: { فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ ٱلْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ } أي: فهلا كانوا ذوي بقية { يَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْفَسَادِ فِي ٱلأَرْضِ } ومعناه - والله أعلم -: هلا كثر أهل الإسلام فيهم حتى قدروا على النهي عن الفساد في الأرض؛ لأنهم إذا كانوا قليلا لم يقدروا على النهي عن الفساد في الأرض؛ نحو لوط وأهله، كانوا عدداً قليلا كيف كان يقدر على النهي عن الفساد، أو المنع عن ذلك، وكنوح - أيضاً - كان معه نفر يقل عددهم، لم يقدروا على منع قومه عن الفساد ونحوه.

فإذا كان ما ذكرناه فكأنه - والله أعلم - يقول: هلا كثر أهل الإسلام وأولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض.

والثاني: { فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ ٱلْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ } أي: قد كان منهم أولو بقية، لكنهم لم ينهوا عن الفساد في الأرض، فأهلكوا جميعاً إلا قليلا ممن أنجينا منهم، وذلك القليل قد نهوا عن الفساد في الأرض، فنجوا بين أولئك.

حاصل هذا يخرج على هذين الوجهين اللذين ذكرناهما:

أحدهما: لم يكن منهم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض؛ على ما قاله بعض أهل التأويل.

والثاني: كان فيهم أولو بقية، لكنهم لم ينهوهم عن الفساد [في الأرض] إلا قليلا منهم فإنهم قد نهوهم عن ذلك، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { وَٱتَّبَعَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَآ أُتْرِفُواْ فِيهِ } هو يخرج على وجهين:

يحتمل: واتبع: الأتباع والسفلة الذين ظلموا من أترفوا فيه من الأموال أي: وسع [عليهم وأعطوا] الأموال وهم الأجلة والأئمة منهم أي: آثروا اتباع الأئمة والأجلة الذين أترفوا فيه على اتباع الرسل والأنبياء.

والثاني: { وَٱتَّبَعَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } وهم الأجلة والأئمة { مَآ أُتْرِفُواْ فِيهِ } أي: ما أعطوا من الأموال أي: آثروا الدنيا وما فيها على اتباع الرسل والأنبياء.

أحد التأويلين يرجع إلى السفلة والأتباع، وهو الأوّل، والثاني إلى الأجلة والأئمة هم آثروا اتباع الدنيا على اتباع الرسل، ثم تبعهم الأتباع والسفلة في ذلك، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ ٱلْقُرَىٰ بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ } أي: ما كان ربك ليهلك القرى إهلاك استئصال وانتقام وأهلها كلهم مصلحون، أو أكثر أهلها مصلحون، إنما يهلك القرى إذا كان أهلها كلهم مفسدين، أو عامة أهلها مفسدين؛ هذا يدل [على] أن الحكم في الدار إنما يكون بغلبة أهلها: إن كان أكثر أهلها أهل الإسلام فالحكم حكم الإسلام، وإن كان عامة أهلها أهل الحرب والكفر فالحكم حكمهم، ولا يسمّى أهلها كلهم بالكفر والفساد إذا كان أكثر أهلها مصلحين؛ ألا ترى أنه قال في قوم لوط:

السابقالتالي
2 3 4 5