الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ فَٱسْتَقِمْ كَمَآ أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } * { وَلاَ تَرْكَنُوۤاْ إِلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِنْ أَوْلِيَآءَ ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ } * { وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ طَرَفَيِ ٱلنَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ ٱلَّيْلِ إِنَّ ٱلْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ ٱلسَّـيِّئَاتِ ذٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ } * { وَٱصْبِرْ فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ }

قوله - عز وجل -: { فَٱسْتَقِمْ كَمَآ أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ } وقال في موضع آخر:فَلِذَلِكَ فَٱدْعُ وَٱسْتَقِمْ كَمَآ أُمِرْتَ } [الشورى: 15] قال بعضهم قوله: { فَٱسْتَقِمْ كَمَآ أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ } الاستقامة هو التوحيد؛ أي: استقم عليه حتى تأتي به ربك؛ كقوله:إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ } [فصلت: 30] على ذلك حتى أتوا على الله به.

وقال بعضهم:قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسْتَقَامُواْ } [فصلت: 30] بما تضمن قوله: { رَبُّنَا ٱللَّهُ } لأن قوله: { رَبُّنَا ٱللَّهُ } إقرار منه له بالربوبية، فيجعل في نفسه وجميع أموره الربوبية لله، والألوهية له، ويجعل في نفسه العبودية له؛ هذه هي الاستقامة التي ذكر، والله أعلم، أن يجعل في نفسه وجميع أموره الربوبية لله، والألوهية له، ويأتي ما يجب [أن يؤتى، وينتهي عما يجب أن ينتهي]، ويتبع جميع أوامره ونواهيه، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { فَٱسْتَقِمْ } لرسول الله، يحتمل على تبليغ الرسالة إليهم.

وقوله: { فَٱسْتَقِمْ كَمَآ أُمِرْتَ } يخرج على وجهين:

أحدهما: استقم على ما أمرت ومن آمن معك - أيضاً - يستقيم على ما أمروا.

والثاني: يقول: امض إلى ما أمرت حرف { كَمَآ } يخرج على هذين الوجهين اللذين ذكرناهما على ما أمرت، وإلى ما أمرت.

وقوله: { وَمَن تَابَ مَعَكَ } من الشرك، ادعوهم على أن يستقيموا على ما أقروا وأدّوا بلسانهم { وَلاَ تَطْغَوْاْ } قال بعضهم الطغيان هو المجاوزة عن الحد الذي جعل له.

وقوله: { إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } هذا وعيد.

وقوله - عز وجل -: { وَلاَ تَرْكَنُوۤاْ إِلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } قال الحسن: هو صلة قوله: فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسّكم النار.

قال الحسن: بينهما دين الله بين الركون إلى الظلمة، والطغيان في النعمة.

الآية وإن كانت في أهل الشرك فهي فيهم وفي غيرهم من الظلمة أن كل من ركن إلى الظلمة يطيعهم أو يودهم فهو يخاف أن يكون في وعيد هذه الآية.

{ وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِنْ أَوْلِيَآءَ } في دفع العذاب عنهم، أو إحداث نفع لهم.

{ ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ } لا ناصر لهم دونه، ولا مانع، والله أعلم.

وتأويل قوله: { وَلاَ تَرْكَنُوۤاْ إِلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } في ظلمهم { فَتَمَسَّكُمُ ٱلنَّارُ... } الآية، وإن خرجت مخرج العموم فهي خاصة؛ لأنه لا كل ظلم يركن إليه تمسّه النار، وكأنه إنما خاطب به الأتباع؛ يقول: لا تركنوا إلى الكبراء منهم والقادة في ظلمهم وفيما يدعونكم إليه فتمسكم النار.

وقال بعض أهل التأويل نزل قوله: { وَلاَ تَرْكَنُوۤاْ إِلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ } في رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دعاه أهل الشرك إلى ملة آبائه؛ يقول: ولا تميلوا إلى أهل الشرك، ولا تلحقوا بهم.

السابقالتالي
2 3