الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ ذَلِكَ مِنْ أَنْبَآءِ ٱلْقُرَىٰ نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَآئِمٌ وَحَصِيدٌ } * { وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـٰكِن ظَلَمُوۤاْ أَنفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ ٱلَّتِي يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ لَّمَّا جَآءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ } * { وَكَذٰلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ ٱلْقُرَىٰ وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ } * { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ ٱلآخِرَةِ ذٰلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ ٱلنَّاسُ وَذَٰلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ } * { وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلاَّ لأَجَلٍ مَّعْدُودٍ } * { يَوْمَ يَأْتِ لاَ تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ } * { فَأَمَّا ٱلَّذِينَ شَقُواْ فَفِي ٱلنَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ } * { خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ } * { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي ٱلْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ عَطَآءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ }

قوله - عز وجل -: { ذَلِكَ مِنْ أَنْبَآءِ ٱلْقُرَىٰ نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَآئِمٌ وَحَصِيدٌ } قوله: { ذَلِكَ مِنْ أَنْبَآءِ ٱلْقُرَىٰ }: ذلك ما سبق من ذكر القرى والقرون في هذه السورة من أنباء الغيب نقصه عليك؛ [لتفهم رسالتك بها]، ولتكون آية لنبوتك؛ لأنك لم تشاهدها، ولا اختلفت [إلى أحد] منهم فتعلمت منهم، ولا كانت الكتب بلسانك فيقولون: نظرت فيها فأخذت ذلك منها، ثم أنبأت على ما كان وقصصت عليهم؛ ليعلم أنك إنما عرفت بالله، فتكون آية لرسالتك.

وقوله: { مِنْهَا قَآئِمٌ وَحَصِيدٌ } قال بعض أهل التأويل { مِنْهَا قَآئِمٌ }: ترى مكانها وتنظر إليها، ومنها حصيد لا ترى له أثراً ولا مكاناً.

وقال بعضهم: قائم: أي: خاوية على عروشها، وحصيد: مستأصلة.

وعن الحسن قال: منها قائم وما حصد الله أكثر، أي: وما أهلك الله من القرى أكثر. وأصله عندنا: منها قائم؛ نحو قرى عاد وثمود ومدين، أهلك أهلها وبقيت القرى لأهل الإسلام؛ لأنه يقول في قرى عاد:فَأْصْبَحُواْ لاَ يُرَىٰ إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ } الآية [الأحقاف: 25]، ومنها حصيد: ما أهلك أهلها والقرى جميعاً نحو قوم نوح؛ أهلكوا ببنيانهم، ونحو قريات قوم لوط أهلكت بأهلها أيضاً حتى لم يبق لا الأهل ولا البنيان، فذلك - والله أعلم - تأويل قوله: { مِنْهَا قَآئِمٌ } هلك أهلها وبقي البنيان، ومنها حصيد: هو ما أهلك البنيان بأهله، حتى لم يبق لها أثر، وفيه وجوه ثلاثة:

أحدها: آية لرسالته؛ لما ذكرناه وعبرة لأهل التقوى، وهو ما ذكر في آخره: { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ ٱلآخِرَةِ } أي: عبرة لمن خاف عذاب الآخرة، وزجراً لأهل الشرك والكفر؛ لأنهم يذكرون ما نزل بأولئك فينزجرون عن صنيعهم فيه.

هذه الوجوه التي ذكرناها، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـٰكِن ظَلَمُوۤاْ أَنفُسَهُمْ } قوله: { وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ } فيه وجهان:

أي: لم نظلمهم؛ لأنهم وبنيانهم ملك لله - تعالى - وكل ذي ملك له أن يهلك ملكه، ولا يوصف بالظلم من أتلف ملكه، وهم ظلموا أنفسهم إذ أنفسهم ليست لهم في الحقيقة وكذلك بنيانهم، ومن أتلف ملك غيره فهو ظالم.

والثاني: أن الظلم هو وضع الشيء في غير موضعه؛ يقول: وما ظلمناهم بالعذاب؛ إذ هم يستوجبون ذلك بما ارتكبوا، فلم نضع العذاب في غير موضعه؛ بل هم الذين وضعوا أنفسهم في غير موضعها؛ حيث صرفوها إلى غير مالكها وعبدوا غيره، فهو ظلم؛ هذا التأويل في أنفسهم، وأما البنيان فهو، أنه إنما جعله لهم، فإذا هلكوا هم أهلك ما جعل لهم، إنما أبقي لهم ما داموا، فأما إذا بادوا هم فلا معنى لإبقاء البنيان.

وما ذكر من ظلمهم أنفسهم يحتمل وجوهاً:

أحدها: ظلموا أنفسهم بعبادتهم غير الله.

السابقالتالي
2 3 4 5