الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ ويْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ } * { ٱلَّذِى جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ } * { يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ } * { كَلاَّ لَيُنبَذَنَّ فِي ٱلْحُطَمَةِ } * { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلْحُطَمَةُ } * { نَارُ ٱللَّهِ ٱلْمُوقَدَةُ } * { ٱلَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى ٱلأَفْئِدَةِ } * { إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ } * { فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةِ }

قوله - عز وجل -: { ويْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ } ، اختلفوا في معنى الهمزة واللمزة:

فقال بعضهم: معناهما واحد، وهو الدفع والطعن.

وقال بعضهم: الهمزة: هو الذي يؤذي جليسه بلسانه، واللمزة: الذي يؤذي بعينيه وغير ذلك.

وقال بعضهم: الهمزة: الذي يطعنه عند حضرته، واللمزة: الذي يطعنه عند غيبته، وهذا إنما يسمى به من يعتاد ذلك الفعل.

وأهل اللغة وضعوا هذا المثال، وهو " فُعَل " لمن يعتاد ذلك الفعل ويحترفه.

قال أهل التأويل: إن الآية في الكفار؛ لكن بعضهم قالوا: نزلت في الأخنس بن شريق.

وقيل: نزلت في الوليد بن المغيرة.

ولقائل أن يقول: إن الآية نزلت في الكفار، وكذلك كثير من الآي من [نحو] قوله - تعالى -:وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ } [المطففين: 1] ونحوها، ومعلوم أنه وجد منهم هذا الفعل أو عدم، استوجبوا ما ذكر من العقوبات وأشد، مع أن الذي فيه من الكفر أقبح من هذين الفعلين، فكيف وقع تعييرهم بذلك؟!.

والجواب عن هذا وأمثاله من نحو قوله - تعالى -:وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ } [المطففين: 1]، وقوله:لَمْ نَكُ مِنَ ٱلْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ ٱلْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ ٱلُخَآئِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ ٱلدِّينِ } [المدثر: 43-46]، فهم وإن أقاموا الصلاة، وأعطوا الزكاة، لم تزل عنهم عقوبة النار.

والجواب عنه: أن الإيمان لم يحسن لاسمه، ولا قبح الكفر لنفس اسم الكفر؛ لأنه ليس أحد ممن يذهب مذهبا ويدين دينا إلا وهو يكفر بشيء ويؤمن بشيء؛ لأن المسلم مؤمن بالله - تعالى - كافر بالطاغوت، والكافر يكفر بالرحمن ويؤمن بالطاغوت ويعبده؛ فثبت أن الإيمان ليس يحسن لنفس اسم الإيمان، ولا قبح الكفر؛ لعين اسم الكفر ولكن الإيمان بالله - تعالى - إنما حسن من حيث أوجبت الحكمة الإيمان به، وقبح الكفر؛ لأن الحكمة أوجبت ترك الكفر بالله تعالى؛ فالإيمان حسن؛ لما فيه من المعنى، والكفر قبح، لما فيه من معنى الكفر، وهذان الفعلان قبيحان في أنفسهما، لا بغيرهما؛ فكان التعيير الذي يقع بهذين الفعلين أكثر وأبلغ منه في تعييرهم بالكفر؛ لذلك عيرهم الله - تعالى - بهذين الفعلين.

ووجه آخر: أن هذا يخرج مخرج الموعظة لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يهمز به ويسخر منه؛ لما يأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر، ولا يحمله ما كانوا يتعاطونه على ترك أمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر؛ لئلا يمتنع أحد من أمته عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لما يخشى أن يسخر به أو يستهزأ.

والثالث: أن يكون هذا على وجه المكافأة والانتقام لما كانوا يفعلون [بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم] على الزجر والردع عن ذلك؛ إذ العقلاء يمتنعون عن الأفعال القبيحة؛ فعلى هذه الوجوه يحتمل معنى تعييرهم.

السابقالتالي
2