الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلْقَارِعَةُ } * { مَا ٱلْقَارِعَةُ } * { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا ٱلْقَارِعَةُ } * { يَوْمَ يَكُونُ ٱلنَّاسُ كَٱلْفَرَاشِ ٱلْمَبْثُوثِ } * { وَتَكُونُ ٱلْجِبَالُ كَٱلْعِهْنِ ٱلْمَنفُوشِ } * { فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ } * { فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ } * { وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ } * { فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ } * { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ } * { نَارٌ حَامِيَةٌ }

قوله - عز وجل -: { ٱلْقَارِعَةُ } قال: القارعة عندهم هي الداهية الشديدة من الأمور، وهي في هذا الموضع وصف لشدة هول يوم القيامة، وهو من الله - تعالى - تذكير لعباده، وتعجيب لهم عما يكون في ذلك اليوم من الأهوال في [الأحوال والأفعال] وسمى الله - تعالى - في كتابه ذلك اليوم بما يكون فيه من اختلاف الأحوال، نحو قوله: { ٱلْحَاقَّةُ } ، وٱلْوَاقِعَةُ } [الواقعة: 1]، وما أشبه ذلك، فكذلك قوله - عز وجل -: { ٱلْقَارِعَةُ } [تذكير لهم] بما وصف من حال ذلك اليوم وشدته؛ ليتفكروا في العواقب، ويتدبروا ما يستقبلهم في الأواخر من العذاب؛ فيمتنعوا بذلك عما نهاهم الله - تعالى - عنه.

ثم إن الله - تعالى - خلق [في] بني آدم نفسا يدرك بها الشهوات واللذات في الدنيا، وعقلا يتذكر به عواقب الأمور وأواخرها، ويزيده ذلك تيقظا وتبصرا، ثم العقل مرة يدعوه إلى نفسه حتى يميل إلى ما يدعوه في جزاء ما أطمع في العاقبة، والنفس مرة تدعوه إليها؛ فيصير هواه وميله فيما يتلذذ [به] من الشهوات في دنياه، وعلى ذلك تأويل قوله:إِنَّ ٱلنَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِٱلسُّوۤءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيۤ... } [يوسف: 53]، أي: [يرحمه ويعصمه] عن اختيار السوء.

أو رحمه حتى جعل هواه فيما توجبه العواقب من الجزاء والثواب؛ فلذلك ذكر الله - تعالى - عباده بما يستقبلهم من الأهوال في ذلك اليوم؛ ليعملوا عقولهم في أفكاره، والتذكر عنه؛ فيزدجروا عما زجرهم عنه.

أو يتذكروا ما وعد لهم من الجزاء في ذلك اليوم؛ فيزدادوا بذلك حرصا في الخيرات.

وقوله - عز وجل -: { يَوْمَ يَكُونُ ٱلنَّاسُ كَٱلْفَرَاشِ ٱلْمَبْثُوثِ } ، اختلفوا في تأويله من وجوه، ولكنه في الحاصل يرجع إلى معنى واحد:

فمنهم من قال: أي: كالجراد المنتشر حين أرادت الطيران.

ومنهم من قال: كالجراد الذي يموج بعضه في بعض.

ومنهم من قال: كالفراش [المبثوث] الذي يتهافت في النار؛ فيحترق؛ وكل ذلك يؤدي معنى الحيرة والاضطراب من هول ذلك اليوم.

وأصل ذلك قوله - تعالى -:وَتَرَى ٱلنَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ وَلَـٰكِنَّ عَذَابَ ٱللَّهِ شَدِيدٌ } [الحج: 2]، فكأن الله - تعالى - قال: إنهم يصيرون في الحيرة من هول ذلك اليوم وشدته كالطائر الذي لا يدري أين يطير؟ وأين يثبت؟ وأين ينزل؟

وقوله - عز وجل -: { وَتَكُونُ ٱلْجِبَالُ كَٱلْعِهْنِ ٱلْمَنفُوشِ } قال بعضهم: كالصوف المصبوغ.

وقال بعضهم: كالمندوف من الصوف.

فإن كان على التأويل [الأول] فمعناه - والله أعلم -: أن الجبال في ذلك اليوم تتلون ألوانا من شدة ذلك اليوم بلون العهن؛ ألا تراه يقول:وَتَرَى ٱلْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً } [النمل: 88]، وقال:وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفاً }

السابقالتالي
2