الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلْعَادِيَاتِ ضَبْحاً } * { فَٱلمُورِيَاتِ قَدْحاً } * { فَٱلْمُغِيرَاتِ صُبْحاً } * { فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً } * { فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً } * { إِنَّ ٱلإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ } * { وَإِنَّهُ عَلَىٰ ذَلِكَ لَشَهِيدٌ } * { وَإِنَّهُ لِحُبِّ ٱلْخَيْرِ لَشَدِيدٌ } * { أَفَلاَ يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي ٱلْقُبُورِ } * { وَحُصِّلَ مَا فِي ٱلصُّدُورِ } * { إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ }

قوله - عز وجل -: { وَٱلْعَادِيَاتِ ضَبْحاً... } إلى آخره.

قال علي - كرم الله وجهه - وعبد الله - رضي الله عنهما -: هي الإبل.

وقال ابن عباس - رضي الله عنه - وغيره من أهل التأويل: هي الخيل؛ غير أن عليا - رضي الله عنه - قال: ذلك يوم بدر.

وقال ابن مسعود - رضي الله عنه -: ذلك في الحج.

ومن قال: هي الخيل، قال: ذلك في سرية بعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأبطأ عليه خبرها؛ فاغتم لذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزل جبريل - عليه السلام - بخبرها على ما ذكر ووصف؛ فسر بذلك المؤمنون.

فإن كان في أمر السرية والخيل على ما قاله ابن عباس - رضي الله عنهما - فجهة القسم بذلك تحتمل وجوها:

أحدها: أنه من علم الغيب؛ إذ لا يعلم بحالهم وما وصف من أمر الخيل لا يكون إلا بالوحي من السماء، أو لمن شهد ذلك، فإذا لم يحضرهم أحد ممن شهدها، ثم أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ظهر عندهم على ما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، علموا بذلك أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه إنما عرف بالوحي من الله تعالى إليه، وذلك من أعظم آيات الرسالة.

أو أن يكون القسم بما ذكر من شدة الخيل وقوتها وحدة بصرها؛ حيث عدت في ليل مظلم، لا قمر فيه، ولا نور - عدوا يخرج النار من شدة عدوها من الحجارة التي تضرب بحوافرها ما لا يقدر الإنسان العدو في مكان مستو، فضلا أن يقدر على ذلك من الصعود والهبوط، وما ذكر من إثارة النقع من شدة عدوها، وتوسطها في العدو.

أو يذكر موافقة مرادهم وحصول غرضهم في الإغارة على عدوهم في أغفل ما يكون العدو، وهو وقت الصبح.

ثم القسم بقوله: { وَٱلْعَادِيَاتِ } ، وما ذكر من الموريات وغيره، هو صفة العاديات ونعوتها.

وفيه بشارات ثلاثة:

أحدها: أنه لم تحدث لهم حادثة.

والثاني: الإغارة على العدو.

والثالث: أنهم قد توسطوا العدو.

ومن قال: هي الإبل، وذلك في أمر الحج، يذكر سرعة سيرها، وشدة عدوها في الليلة المظلمة التي فيها الأودية والهبوط والصعود.

ثم قوله: { فَٱلمُورِيَاتِ قَدْحاً } على هذا التأويل، أي: تضرب الحجر بالحجر؛ فتخرج منه النار من شدة سيرها وعدوها، وفي الخيل شدة ضرب الحوافر على ما ذكرنا.

وقوله - عز وجل -: { فَٱلْمُغِيرَاتِ صُبْحاً } على هذا التأويل، يقول بعضهم: نزولهم في تلك المغارات والأودية في وقت الصبح.

والأشبه أن يكون خروجهم من تلك المغارات والأودية في ذلك الوقت؛ لأن ذلك الوقت وقت الخروج منها والدفع، لا وقت المقام.

السابقالتالي
2 3