الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ } * { وَلَوْ جَآءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلْعَذَابَ ٱلأَلِيمَ } * { فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَآ إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّآ آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ ٱلخِزْيِ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ } * { وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي ٱلأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنتَ تُكْرِهُ ٱلنَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ } * { وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَيَجْعَلُ ٱلرِّجْسَ عَلَى ٱلَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ }

قوله - عز وجل -: { إِنَّ ٱلَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ }.

قوله: { حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ } هو قوله - عز وجل -:لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ } [هود: 119] هذا يكون في الختم من يختم به يعني بالكفر فقد حقت كلمة ربك لأملأن جهنم، أو { حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ } ما ذكر في آية أخرى:أُوْلَـٰئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مِّنَ ٱلْكِتَابِ... } الآية [الأعراف: 37]، أو كلمة ربك ما ذكر:وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَآ إِلَيْهِمُ ٱلْمَلاۤئِكَةَ } [الأنعام: 111].

وقوله - عز وجل -: { حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ } أي: علم ربك بأحوالهم، أي: من كان علمه أنه لا يؤمن فلا يؤمن وقت اختياره الكفر؛ كقوله:مَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَلاَ هَادِيَ لَهُ } [الأعراف: 186] [أي: من يضلل الله فلا هادي له] وقت اختيارهم الكفر؛ وكذلك قوله:وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّالِمِينَ } [البقرة: 258] وقت اختيارهم الظلم ونحو ذلك، فالتأويل الأول يرجع إلى الختم به، والثاني: إلى وقت من ثبت عليه علم ربه أنه لا يؤمن إلى وقت أنه لا يؤمن في ذلك الوقت.

وقوله - عز وجل -: { وَلَوْ جَآءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّىٰ يَرَوُاْ ٱلْعَذَابَ ٱلأَلِيمَ } قيل: في الدنيا إيمان دفع العذاب ويحتمل في الدنيا، وقد ذكرنا هذا.

وقوله - عز وجل -: { فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَآ إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّآ آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ... } الآية، أي: لم تكن القرى آمنت عند معاينة البأس إيمانا نفعها إلا إيمان قوم يونس، فإنهم آمنوا إيمان حقيقة وعلم الله صدقهم من إيمانهم فنفعهم إيمانهم، هذا يخرج على وجوه:

أحدها: أن سائر القرى كان إيمانها عند إقبال العذاب إليهم ووقوعه عليهم، فلم ينفعهم [إيمانهم] إلا قوم يونس، [فإن إيمانهم إنما كان لتخويف العذاب فينفعهم.

والثاني: يحتمل أن يكون قوم يونس] كان نزول العذاب بهم على التخيير والتمكين إن قبلوا الإيمان أمنوا دفع العذاب عنهم، وإن لم يقبلوا نزل بهم.

والثالث: [إنما] كان إيمان سائر القرى بعدما عاينوا مقامهم في النار فآمنوا، فيكون إيمانهم إيمان اضطرار، وقوم يونس آمنوا قبل أن يعاينوا ذلك، ويشبه أن يكون قوله: { فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ } بعد وقوع العذاب والبأس، { فَنَفَعَهَآ إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ } فإنهم آمنوا إذ عاينوا العذاب قبل أن يقع بهم، وإيمان فرعون وقومه إنما كان بعدما غرقوا وبعدما خرجت أنفسهم من أيديهم فلم يقبل، وإيمان قوم يونس كان قبل أن يقع العذاب بهم وأنفسهم في أيديهم بعد فقبل، وهو ما ذكر عز وجل:وَإِذ نَتَقْنَا ٱلْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ... } الآية [الأعراف: 171]، آمنوا بعدما عاينوا قبل أن يقع بهم وسائر الأمم الخالية كان منهم الإيمان بعد وقوع العذاب بهم من نحو عاد وثمود وأمثاله، وأصله ما ذكرنا آنفاً.

السابقالتالي
2 3