الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ ٱلأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ } * { دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ ٱللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }

قوله - عز وجل -: { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ }.

يحتمل وجوهاً: يحتمل: يهديهم ربهم بإيمانهم في الدنيا طريق الجنة في الآخرة، وهو يعني ما ذكر في القصة أن المؤمن إذا أخرج من القبر يصور له عمله في صورة حسنة.

والثاني: يهديهم [ربهم] بإيمانهم، [أي: يهديهم ربهم بإيمانهم] فيصيرون مهتدين بهدايته إياهم ويشبه يهديهم ربهم بإيمانهم أي يدعوهم إلى الخيرات في الدنيا بإيمانهم، والله أعلم.

فهذا على المعتزلة؛ لأنهم يمتنعون عن تسمية صاحب الكبيرة مؤمناً ومعه إيمان، فيلزمهم أن يمتنعوا عما وعد له وإن كان معه إيمان، فإذا ذكر له الوعد مع هذا ألزمهم أن يسموه مؤمناً لما معه من الإيمان.

وقوله - عز وجل -: { تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ ٱلأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ ٱلنَّعِيمِ }. يقول أهل التأويل: من تحت أهل الجنة، وقد ذكرنا هذا.

وقوله - عز وجل -: { دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ ٱللَّهُمَّ }. قال قائلون: قوله: { دَعْوَاهُمْ } دعوى الإيمان؛ أي: يدعون في الآخرة من الإيمان والتوحيد لله والتنزيه له كما ادعوا في الدنيا وحدانية الله ونزهوه.

وقوله: { سُبْحَانَكَ ٱللَّهُمَّ }.

هو حرف تنزيه وتبرئة الرب عن الأشباه وجميع الآفات التي وصفته المشبهة الملحدة بها، فهذا يدل أن ما خرج مخرج الدعوى فإنه لا يختلف باختلاف الدور.

وقال عامة أهل التأويل: هو من الدعاء لا من الدعوى، يقولون: إنهم إذا اشتهوا طعاماً أو شراباً وتمنوا شيئاً فيدعونه بقوله: { سُبْحَانَكَ ٱللَّهُمَّ } فيؤتون ما تمنوا واشتهوا؛ لما ذكر أنه لا تنقطع اللذات في الجنة، ولو كان ما يقولون لكان فيه انقطاع اللذات والشهوات، إلا أن يقال: إنهم يلهمون شهوات وأماني فيشتهون، وقال الله - عز وجل -:لَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِيۤ أَنفُسُكُمْ } [فصلت: 31]وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ * وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ } [الواقعة: 20-21] ولا نعلم ما أراد به.

وقوله - عز وجل -: { سُبْحَانَكَ ٱللَّهُمَّ } يخرج على وجوه:

أحدها: يخبر أنه ليس على أهل الجنة من العبادات شيء سوى التوحيد وهو كلمة التوحيد.

والثاني: يقولون ذلك لعظيم ما رأوا من النعيم وعجيب ما عاينوا.

والثالث: شكراً لما أعطاهم من ألوان النعيم والأطعمة.

وقوله - عز وجل -: { وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ }.

قال أهل التأويل: إن الملائكة يأتون بما اشتهوا ويسلمون عليهم ويردون السلام على الملائكة؛ فذلك قوله: { وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ } ، فإذا طعموا وفرغوا قالوا عند ذلك: { ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } ، وهو قول ابن عباس وغيره من أهل التأويل، ويشبه أن يكون قوله: { وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ } والسلام الذي لا عيب فيه ولا مطعن، أي كلام بعضهم لبعض منزه منقى من جميع العيوب والمطاعن؛ كقوله:لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً } [الواقعة: 25] الآية، وقوله:إِلاَّ قِيلاً سَلاَماً سَلاَماً } [الواقعة: 26] ونحوه.

وقوله: { وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }.

قال أهل التأويل: يقولون على أثر فراغهم من الطعام والشراب ذلك.

وقال الحسن: إن الله رضي عن عباده بالشكر لما أنعم عليهم في الدنيا والآخرة بـ { ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } ، ويشبه أن يكون قوله: { وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ } أي دعواهم في الآخرة: { ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } ، كما كان دعواهم في الدنيا { ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }.