الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِمْ مُّوسَىٰ وَهَـٰرُونَ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلإِيْهِ بِآيَـٰتِنَا فَٱسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ } * { فَلَمَّا جَآءَهُمُ ٱلْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُوۤاْ إِنَّ هَـٰذَا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ } * { قَالَ مُوسَىٰ أَتقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَآءَكُمْ أَسِحْرٌ هَـٰذَا وَلاَ يُفْلِحُ ٱلسَّاحِرُونَ } * { قَالُوۤاْ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا ٱلْكِبْرِيَآءُ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا نَحْنُ لَكُمَا بِمُؤْمِنِينَ } * { وَقَالَ فِرْعَوْنُ ٱئْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ } * { فَلَمَّا جَآءَ ٱلسَّحَرَةُ قَالَ لَهُمْ مُّوسَىٰ أَلْقُواْ مَآ أَنتُمْ مُّلْقُونَ } * { فَلَمَّآ أَلْقَواْ قَالَ مُوسَىٰ مَا جِئْتُمْ بِهِ ٱلسِّحْرُ إِنَّ ٱللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ ٱلْمُفْسِدِينَ } * { وَيُحِقُّ ٱللَّهُ ٱلْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْمُجْرِمُونَ } * { فَمَآ آمَنَ لِمُوسَىٰ إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَىٰ خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي ٱلأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ ٱلْمُسْرِفِينَ } * { وَقَالَ مُوسَىٰ يٰقَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِٱللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوۤاْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ } * { فَقَالُواْ عَلَىٰ ٱللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ } * { وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلْكَافِرِينَ }

قوله: { ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِمْ } أي: من بعد من ذكرنا من الرسل.

{ مُّوسَىٰ وَهَـٰرُونَ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَمَلإِيْهِ }: بعثهما إلى الملأ وغير الملأ.

{ بِآيَـٰتِنَا }: يحتمل الوجوه التي ذكرنا.

{ فَٱسْتَكْبَرُواْ }: هذا يدل أنهم قد عرفوا أن ما جاءهم الرسول من الآيات أنها آيات، لكنهم عاندوا وكابروا ولم يخضعوا في قبولها وكانوا قوماً مجرمين.

وقوله - عز وجل -: { فَلَمَّا جَآءَهُمُ ٱلْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُوۤاْ إِنَّ هَـٰذَا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ }.

قال بعضهم: قوله: { فَلَمَّا جَآءَهُمُ ٱلْحَقُّ مِنْ عِندِنَا } أي: الحجج والآيات من عندنا، { قَالُوۤاْ إِنَّ هَـٰذَا } يعنون الحجج والبراهين التي جاء بها موسى، { لَسِحْرٌ مُّبِينٌ } يسمون الحجج والبراهين سحراً لما أن السحر عندهم باطل، لذلك قالوا للحجج إنها سحر، وذلك تمويه منهم يموهون على الناس لئلا يظهر الحق عندهم فيتبعونه.

وقال بعضهم: الحق هو الإسلام والدين؛ كقوله:إِنَّ ٱلدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلإِسْلاَمُ } [آل عمران: 19]. { قَالُوۤاْ إِنَّ هَـٰذَا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ } يعنون الحجج والآيات التي جاءهم بها للدين لأنه جاءهم بالدين، وجاءهم أيضاً بحجج الدين وآياته، قالوا: الحجج: الدين، والإسلام: سحر، ففي التأويلين جميعاً سموا الحجج سحراً.

وقوله: { جَآءَهُمُ ٱلْحَقُّ مِنْ عِندِنَا } أي: بأمرنا، وكذلك قوله:إِنَّ ٱلدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلإِسْلاَمُ } [آل عمران: 19] أي: الإسلام هو الدين [الذي] أمر الله به، لا أنه يفهم للـ (عند) مكان ينتقل من مكان إلى مكان، ولكن معنى الـ (عند) معنى الأمر، وعلى هذا يخرج قوله:إِنَّ ٱلَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ } [الأعراف: 206] يعني الملائكةلاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ } [الأعراف: 206] أي: [إن] الذين بأمر ربّك يعبدونه لا يستكبرون عن عبادته لما أنه لم يفهم من مجيء الحق من عنده مكان، فعلى ذلك لا يجوز أن يفهم من قوله:إِنَّ ٱلَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ } [الأعراف: 206] المكان أو قرب المكان منه، ولكن التأويل ما ذكرنا أن المفهوم من عند الله أمره، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { قَالَ مُوسَىٰ أَتقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جَآءَكُمْ أَسِحْرٌ هَـٰذَا }: والحق ما ذكرنا.

{ وَلاَ يُفْلِحُ ٱلسَّاحِرُونَ }: الإفلاح هو الظفر بالحاجة، يقول: { وَلاَ يُفْلِحُ ٱلسَّاحِرُونَ } أي: لا [يظفر الساحر] بالحاجة ولا يغلب؛ لأن السحر باطل ولا يغلب الباطل الحق، بل الحق هو الغالب. والسحر هو المغلوب على ما غلب الحق الذي جاء به موسى السحر الذي جاء سحرة فرعون.

أو يقول: لا يفلح الساحرون في الآخرة بسحرهم في الدنيا.

ويحتمل قوله: { وَلاَ يُفْلِحُ ٱلسَّاحِرُونَ } بسحرهم في حال سحرهم؛ كقوله:لاَ يُفْلِحُ ٱلظَّٰلِمُونَ } [الأنعام: 21]، ولاَ يُفْلِحُ ٱلْكَافِرُونَ } [المؤمنون: 117] أي: لا يفلحون بظلمهم في حال ظلمهم، وأما إذا تركوا الظلم فقد أفلحوا، فعلى ذلك السحرة إذ تركوا السحر فقد أفلحوا، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { قَالُوۤاْ أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا } قيل: لتصرفنا وتصدنا.

السابقالتالي
2 3