الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يٰقَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ ٱللَّهِ فَعَلَى ٱللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوۤاْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَآءَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ ٱقْضُوۤاْ إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونَ } * { فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِّنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } * { فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي ٱلْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلاَئِفَ وَأَغْرَقْنَا ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَٱنْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُنْذَرِينَ } * { ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِ رُسُلاً إِلَىٰ قَوْمِهِمْ فَجَآءُوهُمْ بِٱلْبَيِّنَٰتِ فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ بِهِ مِن قَبْلُ كَذَٰلِكَ نَطْبَعُ عَلَىٰ قُلوبِ ٱلْمُعْتَدِينَ }

قوله - عز وجل -: { وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ } أي: خبره وحديثه، { إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يٰقَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ ٱللَّهِ }.

قال بعضهم: إن كان كبر عليكم طول مقامي ومكثي فيكم ودعائي إياكم إلى عبادة الله، والطاعة له، وتذكيري إياكم بآياته. قال بعضهم: وتذكيري بعذابه بترككم إجابتي ودعائي.

ويحتمل قوله: { إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَّقَامِي } بما ادعى من الرسالة، { وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ ٱللَّهِ } أي بحجج الله على ما ادعيت من الرسالة.

وفي قوله: { وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ } وجوه:

أحدها: اتل منابذة نوح قومه وما أرادوا به من الكيد والمكر به.

والثاني: اذكر عواقب قوم نوح، وما حل بهم من سوء معاملتهم رسولهم.

والثالث: اذكر لهولاء عواقب متبعي قومه ومخالفيه.

وقوله - عز وجل -: { فَأَجْمِعُوۤاْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَآءَكُمْ } قال بعضهم: أي اجتمعوا أنتم وشركاؤكم ثم كيدوني ، ثم لا يكن أمركم عليكم غمة، أي: اجعلوا ما تسرون من الكيد والمكر بي ظاهراً غير ملتبس ولا مشبه.

وقال بعضهم: قوله: { فَأَجْمِعُوۤاْ أَمْرَكُمْ } أي: أعدوا أمركم وادعوا شركاءكم؛ وكذلك روي في حرف أبي: (فاجمعوا أمركم وادعوا شركاءكم).

{ ثُمَّ ٱقْضُوۤاْ إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونَ } أي: اقضوا ما أنتم قاضون.

وقال بعضهم: قوله: { ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً } أي: لا يكبر عليكم أمركم.

وقال الكسائي: هو من التغطية واللبس، أي: لا تغطوه ولا تلبسوه، اجعلوا كلمتكم ظاهرة واحدة.

وعن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: " لا يكن أمركم اغتماما عليكم " ، أي: فرجوا عن أنفسكم؛ كقوله:مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ ٱللَّهُ... } الآية [الحج: 15].

وقوله - عز وجل -: { ثُمَّ ٱقْضُوۤاْ إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونَ } أي: اعملوا بي ما تريدون ولا تنظرون؛ وهو كقوله:فَٱقْضِ مَآ أَنتَ قَاضٍ } [طه: 72].

وقال الكسائي: هو من الإنهاء والإبلاغ؛ وهو كقوله:وَقَضَيْنَآ إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ... } الآية [الإسراء: 4]وَقَضَيْنَآ إِلَيْهِ ذَلِكَ ٱلأَمْرَ } [الحجر: 66]، أي: أنهينا إليه وأبلغنا إليه.

وقال أبو عوسجة: إن شئت جعلتها ظلمة فلا يبصرون أمرهم يعني غمّة، وإن شئت جعلتها شكا واشتقاق الغمة، من غم يغم غما أي غطى يغطي، تقول: غممت رأسه أي غطيته، { ثُمَّ ٱقْضُوۤاْ إِلَيَّ } أي: افعلوا بي ما أردتم وفي قول نوح لقومه: { فَأَجْمِعُوۤاْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَآءَكُمْ... } إلى قوله: { وَلاَ تُنظِرُونَ } ، وقول هود:فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ } [هود: 55]، وقول رسول الله:قُلِ ٱدْعُواْ شُرَكَآءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلاَ تُنظِرُونِ } [الأعراف: 195] دلالة إثبات رسالتهم؛ لأنهم قالوا ذلك لقومهم وهم بين أظهرهم، ولم يكن معهم أنصار ولا أعوان؛ دل أنهم إنما قالوا ذلك اعتماداً على الله واتكالا بمعونته ونصرته إياهم.

وقال بعضهم في قوله: { ثُمَّ ٱقْضُوۤاْ إِلَيَّ } أي: فافرغوا إلى يقال [قضى] فرغ؛ وهو قول أبي بكر الأصم.

السابقالتالي
2 3