الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ أَلاۤ إِنَّ لِلَّهِ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰت وَمَنْ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا يَتَّبِعُ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ شُرَكَآءَ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ } * { هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيلَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَٱلنَّهَارَ مُبْصِراً إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ }

قوله - عز وجل -: { أَلاۤ إِنَّ لِلَّهِ مَن فِي ٱلسَّمَٰوَٰت وَمَنْ فِي ٱلأَرْضِ } أي: تعلمون أن من في السماوات ومن في الأرض كلهم عبيده وإماؤه، فكيف قلتم: إن فلانا ولده وإن له شريكاً، ولا أحد منكم يتخذ من عبيده وإمائه ولدا ولا شريكاً؛ كقوله:ضَرَبَ لَكُمْ مَّثَلاً مِّنْ أَنفُسِكُمْ... } الآية [الروم: 28]؛ فعلى ذلك هذا.

أو كيف يحتمل أن يتخذ ولداً وله ملك ما في السماوات والأرض، وإنما يتخذ في الشاهد الولد لإحدى خصال ثلاث: إما للاستنصار على غيره، وإمّا لحاجة تمسه، وإمّا لوحشة أصابته، فهو غني له ملك السماوات والأرض لا حاجة تمسّه، فكيف نسبتم الولد إليه والشريك وما قالوا فيه مما لا يليق به؟! وقد ذكرنا هذا فيما تقدم.

أو يخبر عن غناه عما يأمرهم وينهاهم ويتعبدهم، أي: ليس يأمر وينهى ويتعبد بأنواع العبادات ويمتحنهم بأنواع المحن لحاجة له أو لمنفعة له في ذلك، ولكن لمنفعة لهم في ذلك.

وقوله - عز وجل -: { وَمَا يَتَّبِعُ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ شُرَكَآءَ } أي: ما يتبعون فيما يدعون من دون الله من الشركاء بالحجج والبراهين أو [اليقين بكتاب] أو رسول، إنما يتبعون بالظن والحذر.

{ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ } أي: ما هم إلا يكذبون فيما يتبعون بدعائهم دون الله؛ لأنهم كانوا أهل شرك لم يكونوا أهل كتاب ولا آمنوا برسول، فهم قد عرفوا أنهم مفترون كاذبون في اتباعهم دون الله؛ إذ سبيل معرفة ذلك الكتاب أو الرسول ولم يكن لهم واحد من ذلك، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيلَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَٱلنَّهَارَ مُبْصِراً }: يبصر فيه، وقال في آية أخرى:وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ } [القصص: 73] يعني: في الليلوَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ } [النحل: 14] يعني: في النهار، فهو في موضع الامتنان وتذكير النعم، ليتأدى بذلك شكر ما أنعم عليه.

وفيه أن الليل والنهار يجريان على التدبير والتقدير؛ لأنهما لو كانا يجريان على غير تدبير ولا تقدير لكانا لا يجريان على تقدير واحد ولا سنن واحد، ولكن يدخل فيهما الزيادة والنقصان ولا يجريان على تقدير واحد، وإن كان يدخل بعضه في بعض، فدل جريانهما على تقدير واحد أنهما يجريان على تدبير آخر فيهما؛ إذ لو كان على غير تدبير يجريان على الجزاف على الزيادة والنقصان وعلى القلة والكثرة.

وفيه أيضاً أن مدبرهما واحد؛ لأنه لو كان مدبرهما عدداً لكان إذا غلب أحدهما الآخر دام غلبته، ولا يصير الغالب مغلوباً والمغلوب غالباً، فإذا صار ذلك ما ذكرنا دل أن مدبرهما واحد لا عدد.

وفيه دلالة البعث بعد الموت؛ لأن كل واحد منهما إذا جاء أتلف صاحبه تلفا حتى لا يبقى له أثر ولا شيء منه، ثم يكون مثله حتى لا يختلف الذاهب والحادث ولا الأول من الثاني، فدل أن الذي قدر على إنشاء ليل قد ذهب أثره وأصله لقادر على البعث، ومن قدر على إحداث نهار وقد فني وهلك لقادر على إحداث ما ذكرنا من الموت.

السابقالتالي
2