الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُواْ مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِي ٱلسَّمَآءِ وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذٰلِكَ وَلاۤ أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ } * { أَلاۤ إِنَّ أَوْلِيَآءَ ٱللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } * { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ } * { لَهُمُ ٱلْبُشْرَىٰ فِي ٱلْحَياةِ ٱلدُّنْيَا وَفِي ٱلآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ ٱللَّهِ ذٰلِكَ هُوَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ } * { وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ ٱلْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ }

قوله - عز وجل -: { وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ } قال بعضهم من أهل التأويل: في شأن: في أمرك وحالاتك وما تتلو منه من قرآن تبلغهم به الرسالة وقال بعضهم: قوله: { وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ } أي: في عبادة.

{ وَمَا تَتْلُواْ مِنْهُ مِن قُرْآنٍ }: تبلغهم به الرسالة.

{ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً }: يخاطب نبيه تنبيهاً منه وإيقاظاً والمراد منه هو وغيره، ألا ترى أنه قال: { وَلاَ تَعْمَلُونَ } من عمل عمهم جميعاً في ذلك، يخبر أنكم في كل أمر يكون بينكم وبين ربكم، وفي كل أمر بينكم وبين الناس - فلله لكم وعليكم شهود، أو كل عمل تعملون لكم وعليكم شهود ينبههم ويوقظهم ليكونوا على حذر أبداً منتبهين [متيقظين { إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ } قال بعضهم: { تُفِيضُونَ فِيهِ } تأخذون فيه وتخوضون فيه.

وقيل: تقولون فيه.] وقيل: يكثرون فيه؛ وكله واحد.

ثم يحتمل قوله: { فِيهِ } في الحق، ويحتمل في الدين، ويحتمل في القرآن، ويحتمل في رسول الله؛ يقول: أنا شاهد فيما تخوضون وفيما تقولون في رسول الله، أو في دينه، أو فيما يتلو عليكم.

{ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِي ٱلسَّمَآءِ }: لا يعزب، [أي: لا يغيب] عن ربك من مثقال ذرة في الأرض، ولا في السماء فيما لا أمر فيه ولا نهي ولا كلفة، فالذي فيه السؤال والأمر والنهي والكلفة أحرى وأولى ألا يغيب عنه شيء.

وقوله - عز وجل -: { وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ } هو تحذير وتخويف بتمثيل لا وعيد بتقرير وتصريح؛ لأن الوعيد على وجهين:

أحدهما: على التمثيل، والآخر على التقرير في عينه وتصريح.

وقوله - عز وجل - { إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ } قيل: ما قل وما كثر إلا في كتاب، أي: إلا في اللوح المحفوظ [مبين]، ويحتمل إلا في كتاب مبين، أي: في الكتب المنزلة من السماء والله أعلم.

وقال أبو بكر الأصم في قوله: { إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ }: أي تنتشرون، وتأويله ولا تعملون من عمل تنتشرون فيه إلا كنا عليكم شهوداً.

وقوله - عز وجل -: { أَلاۤ إِنَّ أَوْلِيَآءَ ٱللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ }: قالت المعتزلة: دلت الآية على أن أصحاب الكبائر ليسوا بمؤمنين؛ لأنهم لو كانوا مؤمنين لكانوا أولياء الله، وإذا كانوا أولياء الله لكان لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، فإذا كان لا شك أن على أصحاب الكبائر خوف وحزن [دل أنهم ليسوا بمؤمنين ولا لهم ولاية الإيمان لكن التأويل عندنا - والله أعلم -:] { أَلاۤ إِنَّ أَوْلِيَآءَ ٱللَّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } على ما يكون لأهل الدنيا في الدنيا من الخوف والحزن، إنما خوفهم وحزنهم لعاقبتهم، ويشبه ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون في الجنة، وهكذا يكون إذا دخلوا الجنة يأمنون عن جميع ما ينقصهم.

السابقالتالي
2 3