الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ذٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ فَٱعْبُدُوهُ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ } * { إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ ٱللَّهِ حَقّاً إِنَّهُ يَبْدَؤُاْ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ بِٱلْقِسْطِ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ } * { هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ ٱلشَّمْسَ ضِيَآءً وَٱلْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ وَٱلْحِسَابَ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ ذٰلِكَ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ يُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ } * { إِنَّ فِي ٱخْتِلاَفِ ٱلَّيلِ وَٱلنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ ٱللَّهُ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُونَ }

قوله - عز وجل -:إِنَّ رَبَّكُمُ ٱللَّهُ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ } [الأعراف: 54]: إن القوم كانوا يعبدون الأصنام والأوثان، ويتخذون الأحبار والرهبان أربابا من دون الله؛ يقول: إن ربكم الله الذي يستحق العبادة والألوهية هو الذي خلقكم وخلق السماوات والأرض لا الذي تعبدونه.

وقوله: { فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ }: قد تقدم ذكره في صدر الكتاب.

وقوله - عز وجل -: { يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ }: وهو - أيضاً - على الأول: إن الذي يستحق صرف العبادة إليه وتوجيه الشكر إليه هو الذي يدبر الأمر في مصالح الخلق في جر المنافع إليهم ودفع المضار عنهم، لا الذين لا يملكون المنافع إلى أنفسهم أو دفع المضار عنهم، فضلا [عن] أن يملكوا أجرها إلى من يعبدهم أو دفع المضار عنهم.

وقال بعض أهل التأويل: { يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ } أي يقضيه، والتدبير والقضاء واحد.

وقال بعضهم: { يُدَبِّرُ }: يقدر، وهو ما ذكرنا التدبير والتقدير سواء.

وقوله - عز وجل -: { مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ }: الشفيع هو ذو المنزلة والقدر عند الذي يشفع إليه، لا أحد في الشاهد يشفع لآخر إلى آخر إلا بعد أن يكون الشفيع عند الذي يشفع إليه ذا منزلة وقدر، فإذا كان كذلك فمع ذلك أيضاً لا يشفع إلا من بعد ما أذن له بالشفاعة لمن جاء بالتوحيد.

وقوله - عز وجل -: { ذٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ فَٱعْبُدُوهُ } يقول: ذلكم الذي يستحق العبادة هو ربكم، الذي خلقكم وخلق السماوات والأرض ودبر أموركم، فاعبدوه ولا تعبدوا الذي لا يملك شيئاً من ذلك.

{ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ }: أنه هو المستحق للعبادة، وهو المستوجب للشكر، لا الذين تعبدون أنتم. أو أن يقول: أفلا تذكرون أن الذي خلقكم وخلق السماوات والأرض هو ربكم، وهو مدبر أمور الخلائق في مصالحهم ما يرجع إلى مصالحهم في دنياهم ودينهم، لا الذي يعبدون من دون الله، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً }: إليه مرجع الخلائق كلهم في جميع الأوقات، لكنه خص ذلك اليوم بالمرجع إليه لما أن الخلائق كلهم يعلمون يومئذ أنهم راجعون إليه؛ وكذلك قوله:وَبَرَزُواْ لِلَّهِ جَمِيعاً } [إبراهيم: 21] هم بارزون له في الدنيا والآخرة، لكنهم يومئذ يعرفون ويقرون بالبروز له.

وكذلك:ٱلْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ للَّهِ } [الحج: 56] الملك لله في الدنيا والآخرة وفي الأوقات جميعا، لكنه خص ذلك اليوم لما لا ينازع في الملك في ذلك اليوم، [ويقرون بالملك له في ذلك اليوم] وفي الدنيا من قد نازع في ملكه.

هذا - والله أعلم - وجه التخصيص لذلك اليوم بالملك، وإن كان الملك في الدارين جميعاً فعلى ذلك المرجع، أو سمى البعث رجوعاً إليه، لما المقصود من إنشائه البعث، فسماه بذلك لما ذكرنا؛ لأنه لو لم يكن المقصود من إنشائه إياهم سوى الإنشاء والإفناء، كان خلقه إياهم عبثاً وباطلا؛ كقوله:

السابقالتالي
2 3 4