الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَآ أَذَقْنَا ٱلنَّاسَ رَحْمَةً مِّن بَعْدِ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَّكْرٌ فِيۤ آيَاتِنَا قُلِ ٱللَّهُ أَسْرَعُ مَكْراً إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ } * { هُوَ ٱلَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِي ٱلْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَآءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَآءَهُمُ ٱلْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوۤاْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَـٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلشَّاكِرِينَ } * { فَلَمَّآ أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ مَّتَاعَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا ثُمَّ إِلَينَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }

قوله - عز وجل -: { وَإِذَآ أَذَقْنَا ٱلنَّاسَ رَحْمَةً مِّن بَعْدِ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَّكْرٌ فِيۤ آيَاتِنَا }: قال أهل التأويل: { أَذَقْنَا ٱلنَّاسَ } يعني: أهل مكة إذا أصابهم سعة وفرح ونجاة مما يخافون عادوا إلى ما كانوا من التكذيب وعبادة الأصنام، ولكن أهل مكة وغيرهم أنهم إذا أيسوا عما يعبدون من الأصنام والأوثان، فزعوا إلى الله ويخلصون له الدين؛ كقوله:فَإِذَا رَكِبُواْ فِي ٱلْفُلْكِ دَعَوُاْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدِّينَ } الآية [العنكبوت: 65]، وقوله:وَإِذَا مَسَّ ٱلإِنسَانَ ٱلضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَآئِماً... } الآية [يونس: 12]، وقوله:وَإِذَا مَسَّ ٱلنَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْاْ رَبَّهُمْ مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ... } الآية [الروم: 33]، وغير ذلك من الآيات مما يكثر عددها، كانت عادتهم الفزع إلى الله عند إصابتهم الشدائد والبلايا؛ لعلمهم أن الأصنام التي كانوا يعبدونها لا يدفعون عنهم ذلك.

وقوله - عز وجل -: { إِذَا لَهُمْ مَّكْرٌ فِيۤ آيَاتِنَا }: المكر في الآيات تكذيبها وردها، فيشبه أن تكون الآية هاهنا محمدا، كان هو من أول أمره إلى آخره آية، فمكروا به لما هموا بقتله غير مرة؛ كقوله:وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ... } الآية [الأنفال: 30]، ويحتمل سائر الآيات والحجج مكروا فيها، أي: كذبوها وردوها.

{ قُلِ ٱللَّهُ أَسْرَعُ مَكْراً }: المكر الأخذ من غير أن يعلم هو به، يقول: الله أسرع أخذاً يأخذكم وأنتم لا تعلمون به، ولا تقدرون أن تأخذوا رسول الله وتمكروا به إلا وهو يعلم بذلك، فهو أسرع أخذا منكم.

{ إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ }: فهم الحفظة.

ويحتمل قوله: { قُلِ ٱللَّهُ أَسْرَعُ مَكْراً } أي: أسرع لجزاء المكر منكم، أو أسرع أخذاً من حيث لا تعلمون أنتم.

وقال بعض أهل اللغة: المكر بالآيات هو الرد والجحود لها.

وقال بعضهم: استهزاء بها؛ فهو واحد، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { هُوَ ٱلَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ }: اختلف فيه:

قال بعضهم: قوله: { هُوَ ٱلَّذِي يُسَيِّرُكُمْ } أي: هو الذي سخر لكم ما به تسيرون في البر والبحر، وهو الدواب والسفن التي يقطع بها البراري والبحار، وهو كقوله:لِتَسْتَوُواْ عَلَىٰ ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُواْ نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا ٱسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُواْ سُبْحَانَ ٱلَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَـٰذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ } [الزخرف: 13].

وقيل: قوله: { هُوَ ٱلَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ } أي: سخر لكم البر والبحر وهما مكانا الخوف والهلاك، أي: حفظكم فيهما حتى قضيتم فيهما حوائجكم، وليس في وسع الخلق حفظ البراري والبحار عما فيهما من الأهوال، فتولى الله بفضله حفظ السائرين فيهما، حتى قضوا فيهما حوائجهم؛ وهو كقوله:وَهُوَ ٱلَّذِي سَخَّرَ ٱلْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا... } [النحل: 14] إلى آخر ما ذكر من أنواع المنافع، فلولا أن الله سخر لهم ذلك وحفظهم فيه، وإلا لم يكن في وسعهم القيام بذلك وحفظ أنفسهم فيه من الأهوال التي فيه، يذكرهم نعمه ومننه التي أنعمها عليهم ليوجهوا شكر نعمه إليه.

السابقالتالي
2 3