الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ الۤر تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ ٱلْحَكِيمِ } * { أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ ٱلنَّاسَ وَبَشِّرِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ قَالَ ٱلْكَافِرُونَ إِنَّ هَـٰذَا لَسَاحِرٌ مُّبِينٌ }

قوله تعالى: { الۤر تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ ٱلْحَكِيمِ }: قد ذكرنا الوجه في الحروف المقطعات في صدر الكتاب.

وقوله: { تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ ٱلْحَكِيمِ }: قال بعضهم: الحكيم هو الله، كأنه قال: ذلك الكتاب آيات الله.

وقال بعضهم: الحكيم هو صفة القرآن.

والكتاب يحتمل وجهين:

يحتمل أنه سماه حكيماً فعيلا بمعنى أنه محكم، وجائز تسمية المفعول باسم الفعيل؛ نحو: قتيل بمعنى مقتول، وجريح بمعنى مجروح ونحو ذلك، فيه الحلال والحرام، والأمر والنهي، أو محكم متقن مبرأ من الباطل والكذب والاختلاف، وهو ما وصفه تعالى:لاَّ يَأْتِيهِ ٱلْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ... } الآية [فصلت: 42].

والثاني: حكيماً لما أن من تأمل فيه ونظر وفهم ما أودع فيه وأدرج، صار حكيماً وهو ما وصفه وسماه مجيداً، أي: من تأمله ونظر فيه صار مجيداً شريفاً.

والحكيم هو المصيب في الحقيقة إن كان صفة القرآن أو صفة الله، فإن كان صفة لله، فهو حكيم واضع كل شيء موضعه، وإن كان صفة للقرآن فهو كذلك أيضاً واضع كل شيء موضعه.

وقوله: { آيَاتُ }: يحتمل آيات الكتاب المعروف، ويحتمل الحجج والبراهين، أي: حجج الكتاب وبراهينه أو أعلامه، وقد تقدم ذكر الآيات في غير موضع، والله أعلم.

وقوله - عز وجل -: { أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً } يحتمل وجهين:

يحتمل [أي قد عجبوا] أن أوحينا إلى رجل منهم.

ويحتمل: أيعجبون أن أوحينا إلى رجل منهم على الاستئناف، كانوا يعجبون من ثلاث: من إنزال القرآن على رجل منهم يعجز الخلائق عن إتيان مثله، ويعجبون من الوحي إلى رجل منهم وإرساله رسولا من بين الكل أو من البشر؛ كقوله:أَبَعَثَ ٱللَّهُ بَشَراً رَّسُولاً } [الإسراء: 94]؛ وكقوله:أَءُنزِلَ عَلَيْهِ ٱلذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا... } [ص: 8]، وكانوا يعجبون من البعث؛ كقولهم:أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً... } الآية [ق: 3].

ثم يحتمل قوله: { إِلَىٰ رَجُلٍ مِّنْهُمْ } أي: من البشر، أي: لا تعجبوا أن أوحينا إلى رجل من البشر؛ فإن الإيحاء إلى من هو من البشر أبلغ في الحجاج وأقطع للعذر، وأقرب إلى الرأفة والرحمة؛ لأن البشر يعرفون خروج ما هو خارج عن طوق البشر ووسعهم، ولا يعرفون ذلك من غير جوهرهم وغير جنسهم، ويألف كل جنس بجنسه وكل جوهر بجوهره، ولا يألف غير جوهره ولا غير جنسه، فإذا كان ما وصفنا كان بعث الرسول من جنس المبعوث إليهم وجوهرهم أبلغ في الحجاج وأقطع للعذر، وأقرب إلى الرأفة والرحمة.

ويحتمل قوله: { أَنْ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ رَجُلٍ مِّنْهُمْ } أي: من الأميين، أي: لا يعجبون أن أوحينا إلى رجل منهم، أي: أمي فإن ذلك أبلغ في التعريف والحجاج؛ لأنه بعث أميّاً لم يعرفوه بدراسة الكتب المتقدمة أو تلاوة شيء منها، ولا عرفوه اختلف إلى أحد منهم في تعليم كتبهم، ولا عرف أنه كتب شيئاً ولا خط خطا قط، ثم أخبر عما في كتبهم على موافقة ما فيها، وكانت كتبهم بغير لسانه؛ دل أنه إنما عرف ذلك بالله تعالى؛ فذلك أبلغ في إثبات الرسالة والحجاج، والله أعلم.

السابقالتالي
2