الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا ٱئْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَـٰذَآ أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِيۤ أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَآءِ نَفْسِيۤ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَىۤ إِلَيَّ إِنِّيۤ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ } * { قُل لَّوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } * { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآيَـٰتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ ٱلْمُجْرِمُونَ }

قوله - عز وجل -: { وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ }: البينات قد ذكرنا في غير موضع، والبينات هي التي تبين أنها آيات نزلت من عند الله لم يخترعها أحد من الخلق.

وقد ذكرنا قوله - أيضاً -: { قَالَ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا }.

وقوله - عز وجل -: { ٱئْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَـٰذَآ أَوْ بَدِّلْهُ }: يشبه أن يكون قولهم: { ٱئْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَـٰذَآ أَوْ بَدِّلْهُ } ألا ترى أنه قال: { قُلْ مَا يَكُونُ لِيۤ أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَآءِ نَفْسِيۤ } ، إنما أجابهم في التبديل؛ دل أن السؤال كان سؤال تبديل، ولكن كانوا يسألون سؤال استهزاء وتكذيب.

ثم اختلف أهل التأويل في التبديل الذي سألوا.

قال بعضهم: سألوا أن يبدل ويجعل مكان آية العذاب آية الرحمة أو يبدل أحكامه.

ويحتمل قوله: { ٱئْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَـٰذَآ } أي: بدل أحكامه واترك رسمه.

ويحتمل ما ذكرنا أنهم سألوا أن يتلو مكان آية العذاب آية الرحمة، ومكان ما فيه سب آلهتهم مدحها ونحو ذلك، والله أعلم.

ونحن لا نعلم ما أراد بالتبديل تبديل الأحكام أو تبديل الرسم والنظم، إنما نعلم ذلك بالسماع.

ثم أخبر أنه لا يقول ولا يتبع إلا ما يوحى إليه ويؤمر به بقوله: { قُلْ مَا يَكُونُ لِيۤ أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَآءِ نَفْسِيۤ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَىۤ إِلَيَّ }.

وقوله - عز وجل -: { إِنِّيۤ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي } إن تركت تبليغ ما أمرت بالتبليغ إليكم، وهكذا كل من عرف ربه خافه إن عصاه وخالف أمره ونهيه، ومن لم يعرف ربه لم يخفه إن عصاه وخالف.

وقوله: { ٱئْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَـٰذَآ أَوْ بَدِّلْهُ }: سؤالهم سؤال تعنت واستهزاء؛ لأنه لا منفعة لهم لو أتى بغيره وبدله سوى ما في هذا ولو جاز لهم هذا السؤال جاز ذلك في كل ما أتى به واحداً بعد واحد، فذلك مما لا ينقطع أبداً ولا غاية ولا نهاية فهو سؤال تعنت واستهزاء.

وقوله - عز وجل -: { قُل لَّوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُمْ بِهِ }: هو صلة ما تقدم من قوله حيث قالوا: { ٱئْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَـٰذَآ أَوْ بَدِّلْهُ } قد ذكرنا أن هذا يحتمل وجهين:

يحتمل أنهم سألوه أن يبدل أحكامه على ترك رسمه ونظمه.

ويحتمل قوله: { ٱئْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَـٰذَآ أَوْ بَدِّلْهُ } أي: ارفع رسمه ونظمه وأحكامه، كأنهم ادعوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم اختراع هذا القرآن من نفسه واختلاقه من عنده، فقال: { قُل لَّوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ } تأويله - والله أعلم -: لو شاء الله ألا يظهر دينه فيكم ولا [ألزمكم حجته] ولا بعثني إليكم رسولا، { مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ } و { وَلاَ أَدْرَاكُمْ بِهِ } أي: ولا أعلمكم به.

السابقالتالي
2