الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَوْ يُعَجِّلُ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ ٱلشَّرَّ ٱسْتِعْجَالَهُمْ بِٱلْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } * { وَإِذَا مَسَّ ٱلإِنسَانَ ٱلضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَآئِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَآ إِلَىٰ ضُرٍّ مَّسَّهُ كَذٰلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }

قوله - عز وجل -: { وَلَوْ يُعَجِّلُ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ ٱلشَّرَّ ٱسْتِعْجَالَهُمْ بِٱلْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ }.

كأن الآية على الإخبار كأنه قال: ولو يعجل الله للناس الشر إذا استعجلوه كما يعجل لهم الخير إذا استعجلوه - لقضي إليهم أجلهم؛ لأنه ليس يذكر في ظاهر الآية استعجالهم الشر إنما يذكر تعجيله، ولكن فيه ما ذكر من الإضمار إضمار الاستعجال، ومنه ما ذكر في غير آية من القرآن استعجالهم العذاب؛ كقوله:أَتَىٰ أَمْرُ ٱللَّهِ } الآية [النحل: 1]، وقولهم:فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً } الآية [الأنفال: 32] ونحو ذلك، كانوا يستعجلون العذاب استعجال تضرع، فيقول: لو عجل لهم العذاب إذا استعجلوه كما يعجل لهم الخير إذا استعجلوه - لقضي أجلهم، يقول: لهلكوا أو فنوا، هذا التأويل في أهل الكفر خاصة عند استعجالهم العذاب استعجال تضرع وسؤال، ويشبه أن يكون هذا في جملة الخلق على غير تصريح سؤال، ولكن عند ارتكابهم الشر بقوله: لو يعجل الله للناس الشر باكتسابهم الشر وبارتكابهم إياه [وقت اكتسابهم، كما يعجل لهم الخير] وقت اكتسابهم الخير - لقضي إليهم أجلهم، أي: لو عجل لهم جزاء شرهم وقت اكتسابهم الشر، كما يعجل لهم جزاء خيرهم، لكان ما ذكر ما يستوجبون بارتكابهم الشر وقت فعلهم إياه لقضي إليهم أجلهم، لكنه لم يعجل لهم ذلك وأخره إلى المدة التي جعل لآجالهم.

ويمكن وجه آخر: وهو ما يدعو بعضهم على بعض باللعن والخزي، يقول الرجل عند شدة الغضب: اللهم العن فلانا، اللهم أخزه، ونحو ذلك من الدعوات، يقول: لو عجل لهم هذا كما يعجل لهم عند دعاء بعضهم لبعض بالرحمة والسعة - لقضي إليهم أجلهم؛ لهلكوا وفنوا، ويكون ذلك انقضاء أجلهم، ويكون ذلك على وجوه ثلاثة.

أحدها: استعجال سؤال وتضرع، الذي ذكرنا.

والثاني: بأفعالهم وارتكابهم الشر وقت ارتكابهم.

والثالث: الأسباب التي بها يرتكبون ويفعلون.

وقوله: { لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ } يحتمل: لقضي [أجلهم قبل المدة التي جعل لهم. والثاني: لقضي أجلهم؛ أي: يجعل أجلهم ذلك، ففيه دلالة ألاَّ يهلك أحد قبل أجله و] لا يقدم ولا يؤخر، فهو ما ذكر:لاَّ تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلاَ تَسْتَقْدِمُونَ } [سبأ: 30].

وقوله - عز وجل -: { فَنَذَرُ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ }.

هو ما ذكرنا أن من حكمه ألا يعاقب. أحداً من الكفرة في [الدنيا بصنيعه] الذي صنع، وقد يعجل لهم جزاء خيراتهم في الدنيا؛ كما ساق إليهم من أنواع النعم، ولكن من حكمه أن يؤخر عقوبتهم إلى يوم القيامة؛ فذلك تأويله، والله أعلم.

{ فَنَذَرُ ٱلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ } أي: نتركهم يترددون في أعمالهم، [وجرمهم إلى] الوقت الذي وعد لهم العذاب، والله أعلم.

السابقالتالي
2