الرئيسية - التفاسير


* تفسير تأويلات أهل السنة/ الماتريدي (ت 333هـ) مصنف و مدقق


{ بِسمِ ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ }

التَّسْمِيةُ هِيَ آيةٌ مِنَ الْقُرْآن، وَلَيْسَتْ مِنْ فاتِحةِ الكِتاب.

دليل جعلها آية: ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لأبيِّ بن كعب: " لأُعلِّمنَّكَ آيةً لَمْ تَنْزِلْ عَلَى أَحَدٍ قَبْلِي إِلاَّ عَلَى سُلَيْمَانَ بنِ دَاودَ فأَخْرَجَ إِحْدَى قَدَمَيْهِ، ثمَّ قَالَ له: بأَيِّ آيةٍ تفتتح بها القرآن؟ قال: بـ { بِسمِ ٱلله الرَّحْمٰنِ الرَّحِيـمِ }. فَقَالَ: هِيَ هِيَ ".

ففي هذا أنها آية من القرآن، وأنها لو كانت من السور لكان يعلمه نَيِّفاً ومائةَ آيةٍ لا آيةً واحدةً.

ولو كانت منها أيضاً؛ لكان لا يجعلها مفتاح القرآن، بل يجعلها من السور.

ثم الظاهر أن من لم يتكلف تفسيرها عند ابتداء السورة ثبت أَنها ليست منها.

وكذلك تركُ الأُمةِ الجهرَ بها، على العلم بأنه لا يجوز أن يكون رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يجهر بها ثم يخفي ذلك على من معه، وأن يكونوا غفلوا ثم يضيعون سُنَّةً بلا نفع يحصل لهم، حتى توارثت الأُمةُ تركَها فيما يحتمل أن يكون الجهر سنة ثم يخفى، فيكون في فعل الناس دليل واضح أنها ليست من السور.

ودليل آخر على ذلك ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله أنه قال: " قَسَمْتُ الصَّلاةَ بَيْنِي وبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَينِ، فإِذَا قَالَ العَبْدُ: { ٱلْحَمْدُ للَّهِ } إلى قوله: { مَـٰلِكِ يَوْمِ ٱلدِّينِ }. فقال: هذا لي " وهي ثلاث آيات.

وقال بعد قوله: { ٱهْدِنَا } إلى آخرها: " هَذَا لِعَبْدِي " ، ثبت أنها ثلاثُ آيات؛ لتستويَ القسمة.

ثم قال في قوله:إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } [الفاتحة: 5]: " هذا بيني وبين عبدي نصفين ".

فثبت أنها آية واحدة؛ فصارت بغير التسمية سبعاً. وذلك قول الجميع: إنها سبع آيات مع ما لم يذكر في خبر القسمة؛ فثبت أنها دونها سبع آيات.

وقد روي عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أنه قال: " صَلَّيْتُ خلفَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وخلف أبي بكرٍ، وعمرَ، وعثمان - رضي الله عنهم - فَلمْ يكونوا يَجْهرُونَ بـ " بسم الله الرحمن الرحيم " ".

وروي ذلك عن علي - رضي الله عنه - وعبد الله بن عمر وجماعة، وهو الأَمر المعروف في الأُمة، مع ما جاءَ في قصة السحر: أن العُقَد كانت إحدى عشرة، وقرأَ عليها المعوذتين دون التسمية؛ فكذا غيرها من السور مع ما إذا جعلت مفتاحاً كانت كالتعوذ، والله الموفق.

والأصل عندنا أن المعنى الذي تَضَمنُه فاتحةُ القرآن فرض على جميع البشر؛ إذ فيه الحمد لله والوصف له بالمجد، والتوحيد له، والاستعانة به، وطلب الهداية، وذلك كله يَلزَم كافَّةَ العقلاء من البشر، إذ فيه معرفة الصانع على ما هو معروف، والحمدُ له على ما يستحقه، إذ هو المبتدئ بنعمه على جميع خلقه، وإليه فقر كلِّ عبدٍ، وحاجةُ كلِّ محتاج، فصارت لنفسها - بما جمعت الخصال التي بَيَّنَّا - فريضةً على عباد الله.

السابقالتالي
2 3