الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِن نَّكَثُوۤاْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوۤاْ أَئِمَّةَ ٱلْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ }

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَإِن نَّكَثُوۤاْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ }؛ أي نقَضُوا أيمانَكم والحلفَ من بعدِ العهُودِ التي عاهدَّتهم أنْ لا يُقاتِلُوكَ ولا يُعِينُوا عليكَ ولا على حُلفائِكَ، { وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ }؛ الإسلام وعابوهُ، وذلك أنَّهم قالوا: ليس دينُ مُحَمَّدٍ بشيءٍ، { فَقَاتِلُوۤاْ أَئِمَّةَ ٱلْكُفْرِ }؛ أي رُؤُوسَ الكُفرِ؛ { إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ }.

قال ابنُ عباس: (نَزَلَتْ فِي أبي سُفْيَانَ وَالْحَارثِ بْنِ هِشَامِ وَسُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو وَعِكْرِمَةَ بْنِ أبي جهلٍ وَسَائرِ رُؤَسَاءِ قُرَيْشٍ الَّذِينَ يَنْقُضُونَ الْعَهْدَ، وَهُمُ الَّذِينَ همُّواْ بإخْرَاجِ الرَّسُولِ). وقال مجاهدُ: (هُمْ أهْلُ فَارسَ وَالرُّومُ).

وقولهُ تعالى: { إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ } أي لا عهودَ لهم؛ جَمْعُ يَمِينٍ، وقال قطربُ: (لاَ وَفَاءَ لَهُمْ بالْعَهدِ). وقرأ الحسنُ وعطاء وابنُ عامرٍ (لاَ إيْمَانَ) بكسرِ الهمزة؛ أي لا تصديقَ لهم، قال عطيَّة: (لاَ دِينَ لَهُمْ) أي هم قومٌ كفَّار. وَقِيْلَ: معناهُ: لا أمانَ لهم فلا تُؤَمِّنُوهُمْ واقتلُوهم حيث وجدتُّموهم، فيكون مصدرُ أمَّنْتُهُ إيْمَاناً. قَوْلُهُ تَعَالَى: { لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ }؛ أي ليُرجَى منهم الانتهاءُ عنِ الكُفرِ ونقضِ العهد.

وفي الآية بيانُ أنَّ أهلَ العهدِ متى خالَفوا أشياء مما عاهدوهم عليه فقد نُقِضَ العهدُ، وأما إذا طَعَنَ واحدٌ منهم في الإسلام: فإنْ كان شُرِطَ في عُهودِهم أن لا يذكُروا كتابَ اللهِ ولا يذكرون مُحَمَّداً صلى الله عليه وسلم بما لا يجوزُ، ولا يَفتِنُوا مُسلِماً عن دينهِ ولا يقطَعُوا عليه طَريقاً ولا يُعِينُوا أهلَ الحرب بدلالةٍ على المسلمين، فإنَّهم إذا فعَلُوا ذلك في عهودِهم وطَعَنوُا في القرآنِ وشَتَموا النبيَّ صلى الله عليه وسلم، ففيه خلافٌ بين الفقَهاءِ.

قال أصحابُنا: يُعْذَرُونَ ولا يُقتلون، واستدَلُّوا بما روَى أنسُ بن مالك رضي الله عنه: " أنَّ امْرَأةً يَهُودِيَّةً أتَتِ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم بشَاةٍ مَسْمُومَةٍ فَأَكَلَ مِنْهَا، فَجِيءَ فَقِيلَ: ألاَ تَقْتُلُوهَا؟ قَالَ: " لاَ " " ولحديث عائشةَ: " أنَّ قَوْماً مِنَ الْيَهُودِ دَخَلُوا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيْكَ! فَفَهِمَتْ عَائِشَةُ فَقَالَتْ: وَعَلَيْكُمْ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ، فَقَالَ النِّبيُّ صلى الله عليه وسلم: " مَهْلاً يَا عَائِشَةُ! فَإنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يُحِبُ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ " فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ ألَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُواْ؟! فَقَالَ: " بَلَى قَدْ قُلْتُ: عَلَيْكُمْ " ولَمْ يقتُلْهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم بذلك. فذهب مالكُ إلى أنَّ مَن شَتَمَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم من اليهودِ والنصارى قُتِلَ إلا أن يُسلِمَ ".