الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلاَ أُقْسِمُ بِٱلْخُنَّسِ } * { ٱلْجَوَارِ ٱلْكُنَّسِ }

قَوْلُهُ تَعَالَى: { فَلاَ أُقْسِمُ بِٱلْخُنَّسِ }؛ معناه أقسِمُ برب الْخُنَّسِ، و(لاَ) في هذا الموضعِ مؤكِّدَةٌ زائدةٌ، وقوله تعالى: { ٱلْجَوَارِ ٱلْكُنَّسِ }؛ أي الجاريةُ في الأفلاكِ، وتَخْنُسُ في مَجراها؛ أي ترجعُ إلى مَطالعِها في سَيرها، ثم تستَتِرُ عند غُروبها، فتغيبُ في المواضعِ التي تغيبُ فيها كما تُكنِسُ الظِّبَاءُ بأن تستترُ في كنَاسِها.

والْخَنْسُ: هو التأخُّر، ومنه الْخَنْسُ في الأنفِ تَأَخُّرهُ في الوجهِ، يقال: رجلٌ أخْنَسُ والمرأة خَنْسَاءٌ، وسُمي الأَخْنَسُ بن شَريف بهذا الاسم لتأخُّره عن يومِ بدرٍ عن أصحابهِ. ومنه الْخَنَّاسُ وهو الشيطانُ؛ لأنه يغيبُ عن أعيُن الناسِ. والْخُنَّسُ: جمعُ خَانِسٍ، وهي النجومُ الخمسة: زُحَلُ والمشترِي والمرِّيخُ والزُّهرة وعطاردُ، تجرِي في الأفلاكِ وتَخْنُسُ في مجرَاها؛ أي ترجعُ إلى مجرَاها في سيرها.

ورُوي: أنَّ رَجُلاً مِنْ خَثْعَمَ جَاءَ إلَى عَلِيٍّ رضي الله عنه فَقَالَ: يَا أمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا الْخُنَّسُ؟ قَالَ: ((ألَسْتَ رَجُلاً عَرَبيّاً؟!)) قَالَ: بَلَى، وَلَكِنْ أكْرَهُ أنْ أُفَسِّرَ الْقُرْآنَ عَلَى غَيْرِ مَا أُنْزِلَ؟، فَقَالَ: ((الْخُنَّسُ هِيَ النُّجُومُ الْخَمْسَةُ: الزُّهْرَةُ وَالْمُشْتَرِي وَبَهْرَامُ وَعَطَاردُ وزُّحَلُ)).

فَقَالَ: مَا الْكُنَّسُ؟ قَالَ: ((مُسْتَقَرُّهُنَّ إذا انْقَبَضْنَ، وَهُنَّ الْجَوَاري تَخْنُسُ خُنُوسَ الْقَمَرِ، يَرْجِعْنَ وَرَاءَهُنَّ وَلاَ يَقْدُمْنَ كَمَا يَقْدُمُ النُّجُومُ، وَلَيْسَ مِنْ نَجْمٍ غَيْرُهُنَّ إلاَّ يَطْلُعُ، ثُمَّ يَجْرِي حَتَّى يَقْطَعَ الْمَجَرَّةَ)). وَقِيْلَ: معنى خُنُوسِها أنَّها تستترُ بالنَّهار فتخفَى، وتنكسُ في وقت غُروبها.