الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱعْلَمُوۤا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنْتُمْ بِٱللَّهِ وَمَآ أَنزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا يَوْمَ ٱلْفُرْقَانِ يَوْمَ ٱلْتَقَى ٱلْجَمْعَانِ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَٱعْلَمُوۤا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ }؛ حتى الْخَيْطَ وَالْمَخِيطَ، قال ابنُ عَبَّاس: (كَانَ خُمُسُ الْغَنِيمَةِ يُقْسَمُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى خَمْسَةِ أسْهُمٍ، سَهْمٌ للهِ وَرَسُولِهِ، وَوَاحِدٌ كَانَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يُعْطِي فِيْهِ الْمُحْتَاجَ وَالضَّعِيفَ وَيَجْعَلُهُ فِي عِدَّةِ الْمُسْلِمِينَ مِنَ السِّلاَحِ وَنَحْوِهِ، وَسَهْمٌ لِذوِي قَرَابَةِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، وَسَهْمٌ لِيَتَامَى الْمُسْلِمِينَ عَامَّةً، وَسَهْمٌ لِمَسَاكِينِ الْمُسْلِمِينَ، وَسَهْمٌ لابْنِ السَّبِيلِ. ثُمَّ قَسَمَهُ أبُو بَكْرٍ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، عَلَى ثَلاَثَةِ أسْهُمٍ لِلْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنِ السَّبيلِ، وَكَذلِكَ فَعَلَ عُمَرُ ثُمَّ عُثَْمَانُ ثُمَّ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ).

وبهذا أخذ أبو حَنيفة وأصحابهُ؛ قالوا: إنَّ قولَهُ تعالى { للَّهِ خُمُسَهُ } لافتتاحِ الكلامِ باسمه تعالى على طريقِ التبرُّك، لا لأنَّ للهِ نصيباً من الْخُمُسِ، فإنَّ الدُّنيا والآخرة كلُّها لهُ سُبحانه، وسهمُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم سَقَطَ بموتهِ؛ لأن الأنبياءَ عليهمُ السَّلام لا يُورَثُونَ، وبينَهم ذوِي القراباتِ كان جعل النبيِّ صلى الله عليه وسلم سهمَهُ في مَن شاءَ منهم، ألاَ ترى أنه أعطَى بني هاشم وبنِي المطَّلب، وأحرمَ بني نوفلَ وبني عبدِ شمس مع مساواتِها بني عبدِ المطَّلب في القُرْب؛ لأن بني هاشم لم يفارقوهُ في جاهليَّة ولا إسلامٍ، وإذا بَطَلَ هذان السَّهمان بعدَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ورَجَعْنَا إلى السِّهام الثلاثةِ التي ذُكرت معَهُما، فقُسِّمَ الخمُسُ على ثلاثةِ أسهُم، ويدخلُ في استحقاقهِ فقراءُ بني هاشم دونَ أغنيائِهم بدلاً عمَّا حُرِمُوا من الصَّدقات، وأربعةُ أخماسِ الغَنيمة للغَانِمين.

واليَتِيمُ من كلِّ جنسٍ من الحيوان الذي ماتَتْ أمُّهُ، إلا من بَني آدمَ فإنه إذا ماتَ أبوهُ. والمسكينُ الذي أسْكَنَهُ الضعفُ عن النُّهوضِ لحاجتهِ. وابنُ السَّبيلِ المنطقعُ عن مالهِ.

وقال بعضُهم: يُقسَمُ الخمُس الآنَ على أربعةِ أسهُم، فينفردُ سهم قرابةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وقال الشافعيُّ: (يُقْسَمُ الْخُمُسُ الآنَ عَلَى خَمْسَةِ أسْهُمٍ، سَهْمٌ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُصْرَفُ إلَى الأَهَمِّ فَالأَهَمِّ مِنْ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ)، ومِن أصحابهِ مَن قالَ: يصرفُ إلى الخليفةِ ، وسهمُ قرابةِ ذوي النبيِّ صلى الله عليه وسلم لأغنيائِهم وفُقَرائِهم، وثلاثةُ أسهُمٍ لليتامَى والمساكين وابنِ السَّبيل.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { إِن كُنتُمْ آمَنْتُمْ بِٱللَّهِ وَمَآ أَنزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا يَوْمَ ٱلْفُرْقَانِ يَوْمَ ٱلْتَقَى ٱلْجَمْعَانِ }؛ معناهُ: اقبَلُوا ما أُمِرتُم به في الغنيمةِ إن كُنتم صدَّقتُم بتوحيدِ الله، وبما أنزَلنا على عبدِنا مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وقولهُ تعالى: { يَوْمَ ٱلْفُرْقَانِ } أي يومَ بدرٍ فُرِّقَ فيه بين الحقِّ والباطلِ بنصرِ المؤمنين وكَبْتِ الكافرين مع ضَعفِ المسلمين وقَتلِهم. وقولهُ تعالى: { يَوْمَ ٱلْتَقَى ٱلْجَمْعَانِ } أي يومَ جَمْعِ الكافرين والمؤمنين، { وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }؛ من نصرِ المؤمنين وغير ذلك.