الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَآءَكُمُ ٱلْفَتْحُ وَإِن تَنتَهُواْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَعُودُواْ نَعُدْ وَلَن تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُؤْمِنِينَ }

قَوْلُهُ تَعَالَى: { إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَآءَكُمُ ٱلْفَتْحُ }؛ هذا خطابٌ للكافرين، وذلكَ أنَّ أبَا جَهْلٍ قالَ يومَ بدرِ قبلَ القتالِ لَهم: اللَّهُمَّ انصُرْ أعزَّ الْجُندَين وأكرَمَ الفئَتين وخيرَ الدِّينَين، اللُّهُمَّ أيُّنا اقطعُ للرحمٍ وأفسدُ للجماعةِ فَأَحِنْهُ اليومَ. فاستجابَ الله دعاءَهُ على نفسهِ، فأتاهُ بالفتحِ فضربَهُ إبنا عَفراء عوفُ ومعاذ وأجهزَ عليه ابنُ مسعود.

وقال السديُّ والكلبي: (كَانَ الْمُشْرِكُونَ حِينَ خَرَجُواْ إلَى بَدْرٍ، تَعَلَّقواْ بأِسْتَارِ الْكَعْبَةِ، وَقَالُواْ: اللَّهُمَّ انْصُرْ أعْلَى الْجُنْدَيْنِ وَأهْدَى الْفِئَتَينِ وَأكْرَمَ الْحِزْبَينِ وَأفْضَلَ الدِّينَيْنِ، اللَّهُمَّ أيُّ الْفِئَتَينِ أحَبُّ إلَيْكَ فَانْصُرْهُمْ، اللُّهُمَّ اقْضِ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ. فَأَنْزَلَ اللهُ هَذِه الآيَةَ، إنْ تَسْتَنْصِرُواْ فَقَدْ جَاءََكُمُ النَّصْرُ، فَنُصِرَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم). وقال عكرمةُ: (قَالَ الْمُشْرِكُونَ: اللُّهُمَّ لاَ نَعْرِفُ مَا جَاءَ بهِ مُحَمَّدٌ، فَافْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ بالْحَقِّ. فَأَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الآيَةِ { إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَآءَكُمُ ٱلْفَتْحُ } أيْ إنْ تَسْتَحْكِمُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْحُكْمُ، وَإنْ تَسْتَقْضُواْ فَقَدْ جَاءَكُمُ الْقَضَاءُ).

وقولهُ تعالى: { وَإِن تَنتَهُواْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ }؛ أي وإن تَنتَهُوا عن الشِّرك والمعاصي فهو خيرٌ، { وَإِن تَعُودُواْ }؛ إلى القتالِ؛ { نَعُدْ }؛ بأنْ نأمُرَ المسلمين بجهادِكم وننصُرهم عليكم. وقال بعضُهم: هذه الآيَةُ خطابٌ للمؤمنين؛ أي اسْتَنْصِرُوا الله وَاسْأَلُوهُ الفتحَ فقد جاءكم الفتحُ والنصر، وإنْ تنتَهُوا عن فعلِكم في الأُسارى والفداءِ يومَ بدرٍ فهو خيرٌ لكم، وإنْ تعودُوا إلى فعلِكم بالأُسارى نَعُدْ إلى الإنكار عليكم، { وَلَن تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً }؛ أي وإنْ سُلب عنكم النصرُ حتى لا تُغنِي عنكم جماعتُكم شيئاً، { وَلَوْ كَثُرَتْ }؛ في العددِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَأَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُؤْمِنِينَ }؛ قرأ نافعٌ وابن عامر بخفض (إنَّ) وبفتحِ (أنَّ) بمعنى ولأَن الله، وَقِيْلَ: عطفٌ على قولهِوَأَنَّ ٱللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ ٱلْكَافِرِينَ } [الأنفال: 18]، وَقِيْلَ: على معنى وَاعْلَمُوا أنَّ الله، وقرأ الباقون (وإنَّ اللهَ) بالكسرِ على الابتداء، واختارَهُ أبو عُبيد وأبو حاتم؛ لأن قراءةَ عبد الله: (وَإنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُؤْمِنِينَ) بالنصرِ والمعونة.