الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ } * { يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي ٱلْحَافِرَةِ } * { أَإِذَا كُنَّا عِظَاماً نَّخِرَةً }

قَوْلُهُ تَعَالَى: { أَبْصَارُهَا خَاشِعَةٌ }؛ أي أبصارُ أصحابها ذليلةٌ خاضِعة، وذلك أنَّ المضطربَ الخائفَ لا بدَّ أن يكون نظرهُ نظرَ الذليلِ الخاضعِ؛ لترقُّب ما ينْزِلُ من الأمرِ. ويقالُ: ذليلةٌ عند معايَنة النار، كقولهخَاشِعِينَ مِنَ ٱلذُّلِّ } [الشورى: 45].

قال عطاءُ: ((يُرِيدُ أبْصَارَ مَنْ مَاتَ كَافِراً)) يدلُّ عليه أنه ذكرَ مُنكرِي البعثِ، فقالَ: { يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي ٱلْحَافِرَةِ }؛ معناهُ: تقولُ الكفَّار وهم في الدُّنيا: أنُرَدُّ إلى أوَّلِ حالِنا وابتداءِ أمرنا فنصيرُ أحياءً؟ كما كنَّا، يقال: رجعَ فلانٌ في حافرتهِ، أي رجع من حيث جاءَ. والحافرة عند العرب اسمٌ لأول الشيءِ، وابتداءُ الأمر. والمعنى أنهم كانوا يستبعِدُون البعثَ، ويقولون: { أَإِذَا كُنَّا عِظَاماً نَّخِرَةً }؛ أنُرَدُّ إلى الحياةِ الأُولى، وتُعَادُ فينا الروحُ بعد أن نصيرَ عِظَاماً نَخِرَةً؛ أي بَالِيَةً, ومنه قولُهم: رجعَ فلانٌ في حَافِرَتِهِ؛ إذا رجعَ في الطريقِ الذي جاءَ فيه.

وقال بعضُهم: الْحَافِرَةُ الأرضُ التي تُحفَرُ فيها قبورُهم، والحافرةُ بمعنى المحفورةِ كما فيعِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ } [الحاقة: 21، القارعة: 7] وما وافقَ معناهُ: ومعناه: أئِنَّا لمَردُودُونَ إلى الأرضِ فنُبعَثُ خَلقاً جديداً، ونَمشي على أقدامِنا، وقال ابنُ زيد: ((الْحَافِرَةُ: النَّارُ))، وَقِيْلَ: معناهُ: أنُرَدُّ أحياءً في قُبورنا.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { أَإِذَا كُنَّا عِظَاماً نَّخِرَةً } قرأ أهلُ الكوفة (نَاخِرَةً) بالألفِ، وهي قراءةُ عمرَ رضي الله عنه وابنِ عبَّاس وابنِ مسعود وابنِ الزُّبير. وقرأ الباقون (نَخِرَةً) بغيرِ ألفٍ، والنَّخِرَةُ: البَالِيَةُ، والنَّاخِرَةُ: الْمُجَوَّفَةُ، يقالُ: نَخَرَ العظمُ يَنْخِرُ فهو نَاخِرٌ وَنَخِراً إذا بَلِيَ وتفَتَّتَ، وقال الأخفشُ: ((هُمَا لُغَتَانِ؛ أيُّهُمَا قَرَأتَ فَحَسَنٌ)). والمعنى: أنَّهم أنكَرُوا البعثَ، فقالوا: أنُرَدُّ أحياءً إذا مِتنا وبَلِيَتْ عِظامُنا.