الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ يَابَنِيۤ ءَادَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ ٱلشَّيْطَانُ كَمَآ أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِّنَ ٱلْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَآ إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا ٱلشَّيَاطِينَ أَوْلِيَآءَ لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ }

قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: { يَابَنِيۤ ءَادَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ ٱلشَّيْطَانُ كَمَآ أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِّنَ ٱلْجَنَّةِ }؛ أي لا يَضُرَّنَّكُمْ الشيطانُ بالدعاءِ إلى الغَيِّ والمعصيةِ كما اسْتَزَلَّ أبَوَيْكُمْ آدمَ وحوَّاءَ من الجنَّةِ { يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا } ، فَتَسَبَّبَ في نَزْعِ لباسهما لِحملهما على المعصيةِ، وقَوْلُهُ تَعَالَى: { لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَآ }؛ أي لِيُظْهِرَ لَهما عوارتِهما أنَّ ذلك يُغِيْظُهُمَا، وإنَّما أضافَ الإخراجَ من الجنَّةِ إلى الشيطانِ؛ لأن ذلكَ كان بوَسْوَسَتِهِ وإغوائِه.

واختلفُوا في لباسِهما في الجنَّةِ؛ فقال بعضُهم: كان مِن لِبَاسِ الْجَنَّةِ، عن ابنِ عبَّاس: (أنَّ لِبَاسَهُمَا كَانَ مِنْ الظُّفُرِ؛ أيْ كَانَ يُشْبهُ الظُّفْرَ، فَإنَّهُ كَانَ مَخْلُوقاً عَلَيْهِمَا خِلْقَةَ الظُّفُرِ). وقال وهبٌ: (كَانَ لِبَاسُهُمَا مِنَ النُّور). ومعنى قولهِ: { لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ ٱلشَّيْطَانُ } أي كونُوا على حَذرٍ من ذلكَ، فإنه عَدُوٌّ لكم. وهذا اللفظُ أبلغُ من أنْ تقولَ: لا تَقْبَلُوا فتنة الشيطانِ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ }؛ أي إنَّ الشيطانَ وَنَسْلَهُ يَرَوْنَكُمْ وأنتم لا ترونَهم، وإنَّما قالَ هكذا؛ لأنَّا إذا لَمْ نَرَاهُمْ لم نعرِفْ قصدَهم بالكيدِ والإغْوَاء حتى نكونَ على حَذرٍ في نَجدَةِ نفوسِنا من وَسَاوسِهِ.

وفي هذا بيانٌ أنَّ أحَداً من البَشَرِ لاَ يَرَى الْجِنَّ، بخلافِ ما يقولُ بعضُهم: إنَّ منَّا مَن يراهُم. وإنَّما لا يراهُمُ البشرُ؛ لأنَّهم أجْسَامٌ رقيقةٌ تحتاجُ في رؤيتِكَ إلى أفضلِ شُعاعٍ، واللهُ تعالى لم يُعْطِنَا من الشُّعَاعِ قَدْرَ ما يُمكننا أن نراهم، وأمَّا هم فإنَّهم يَرَوننَا؛ لأنَّهم يرى بعضُهم بعضاً مع أنَّهم أجسامٌ رقيقةٌ، فلأَنْ يرونَا ونحنُ أجسامٌ كثيفة أوْلَى.

وذهب بعضُ الناسِ إلى أنه يجوزُ أن يراهم البشرُ، بأنْ يكشِفُوا أجسامَهم، وقال: وهم مُمَكَّنُونَ من ذلك. وَقِيْلَ: إنَّ هذا لا يصلحُ؛ لأنه لو أمكنَهم أن يَكْشِِفُوا أجسامَ أنفسِهم أمكنَهم أن يكشِفُوا أجسامَ غيرِهم. وقال مالكُ بن دينارٍ: (إنَّ عَدُوّاً يَرَاكَ وَلاَ تَرَاهُ لَشدِيْدُ الْمُؤْنَةِ إلاَّ مَنْ عَصَمَ اللهُ).

وَقِيْلَ: هو زيَّن لآدم فسكن له، ويجرِي من ابن آدم مَجْرَى الدَّمِ، وأنتَ لا تُقَاومُهُ إلا بعون اللهِ، والشيطانُ يراكَ وأنتَ لا تراهُ، وهو لا يَنْساكَ وأنتَ تنساهُ. وفيه يقولُ بعضهم:
وَلاَ أرَاهُ حَيْثُمَا يَرَانِي   وَعِنْدَمَا أنْسَاهُ لاَ يَنْسَانِي
فَيُبْدِي إنْ لَمْ يَكُنْ سَبَانِي   كَمَا سَبَى آدَمَ مِنْ جِنَانِ
وقال ذُو النون: (إنْ هُوَ يَرَاكَ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَاهُ، فَإنَّ اللهَ يَرَاهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَرَى اللهَ، فَاسْتَعِنْ باللهِ عَلَيْهِ، فَإِنَّ كَيْدَ الشَّيْطََانِ كَانَ ضَعِيْفاً).

قَوْلُهُ تَعَالَى: { إِنَّا جَعَلْنَا ٱلشَّيَاطِينَ أَوْلِيَآءَ لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ }؛ أي جعلناهم قُرَنَاءَ للذينَ لا يؤمنونَ بالله.