الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ ٱلْجَهْرِ مِنَ ٱلْقَوْلِ بِٱلْغُدُوِّ وَٱلآصَالِ وَلاَ تَكُنْ مِّنَ ٱلْغَافِلِينَ }

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَٱذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ ٱلْجَهْرِ مِنَ ٱلْقَوْلِ بِٱلْغُدُوِّ وَٱلآصَالِ }؛ يجوزُ أن يكون الخطابُ في هذه الآيةِ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، والمرادُ به جميعُ الخلقِ، ويجوزَ أن يكون المعنى: واذْكُرْ ربَّكَ أيُّها المستمعُ للقرآنِ إذا تُلِيَ عليكَ.

وقولهُ تعالى: { فِي نَفْسِكَ } يعني التفكُّرَ في النفسِ والتعرُّضَ لنِعَمِ اللهِ مع العلمِ بأنه لا يقدرُ عليها أحدٌ سواهُ، وأنه متى شاءَ سَلَبَها منه. والمراد بقوله: { وَدُونَ ٱلْجَهْرِ } المتكلِّم بذكرِ الله على وجهِ الخِيفَةِ بالتضرُّع إليه والمخافَةِ منه، ولأن أفضلَ الدُّعاء ما كان خَفِيّاً على إخلاصِ وخضوعٍ لا يشوبهُ رياءٌ وسُمعَةٌ. وقولهُ تعالى { فِي نَفْسِكَ } إشارةٌ إلى الإخلاصِ.

وَقِيْلَ: المرادُ بقوله: { وَٱذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ } الذكرُ بالكلامِ الخفيِّ وبقوله: { وَدُونَ ٱلْجَهْرِ } إظهار الكلامِ بالصَّوت العالِي. وقال ابنُ عباس: (مَعْنَى { وَٱذْكُر رَّبَّكَ } يعني القراءةَ في الصَّلاة { تَضَرُّعاً } أي جَهْراً { وَخِيفَةً } أي سِرّاً { وَدُونَ ٱلْجَهْرِ مِنَ ٱلْقَوْلِ } أيْ دُونَ رَفْعِ الصَّوتِ فِي خَفْضٍ وسُكُونٍ سَمِّعْ مَنْ خَلْفَكَ الْقُرْآنَ).

وقال أهلُ المعاني: { وَٱذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ } أي اتَّعِظْ بالقرآن واعتبرْ بآياته، واذكُر ربَّكَ في ما يأمُركَ بالطاعةِ { تَضَرُّعاً } أي تَواضُعاً وتخشُّعاً { وَخِيفَةً } أي خِيفَةً من عقابهِ. وقال مجاهدُ: (أمَرَ أنْ يُذْكَرَ فِي الصُّّدُور، وَأمَرَ بالتَّضَرُّعِ وَالاسْتِكَانَةِ، وَيُكْرَهُ رَفْعُ الصَّوْتِ وَالنِّدَاءُ وَالصِّيَاحُ فِي الدُّعَاءِ).

قَوْلُهُ تَعَالَى: { بِٱلْغُدُوِّ وَٱلآصَالِ } أي صلاةَ الغدَاةِ والمغرب والعشاء، والأصيلُ في اللغة: ما بين العصرِ إلى اللَّيل، وجمعهُ أُصُلٌ، ثم آصَالٌ جَمْعُ الجمعِ، ثم أصَائِلٌ. وَقِيْلَ: يعني { بِٱلْغُدُوِّ وَٱلآصَالِ }: البكرَ والعِشَاةَ. وقولهُ تعالى: { وَلاَ تَكُنْ مِّنَ ٱلْغَافِلِينَ }؛ زيادةُ تحريضٍ على ذكرِ الله عَزَّ وَجَلَّ؛ كَي لا يَغفلَ الإنسانُ عن ذلك في أوقاتِ العبادة.