الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى ٱلأَرْضِ وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ ٱلْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَٱقْصُصِ ٱلْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ }

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا }؛ أي بالآياتِ بأنْ نُمِيتَهُ على الْهُدَى ونَعْصِمَهُ عن الكُفرِ ونَحُولَ بينَهُ وبين المعصيةِ. وَقِيْلَ: معناهُ: لفَضَّلْنَاهُ وشرفناه ورفعناهُ منْزلةً بالآياتِ. قال مجاهدُ وعطاء: (مَعْنَاهُ: وَلَوْ شِئْنَا رَفَعْنَا عَنْهُ الْكُفْرَ بالآيَاتِ وَعَصَمْنَاهُ، { وَلَـٰكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى ٱلأَرْضِ }؛ أي ركَنَ إلى الأرضِ)، وقال مجاهدُ: (سَكَنَ إلى الأَرْضِ)، وقال مقاتلُ: (رَضِيَ بالدُّنْيَا)، وَقِيْلَ: مَالَ إلى مسافلِ الأمُور، وتَرَكَ معالِيَها.

وأصلُ الإخلادِ البقاءُ والإقامَةُ واللُّزومُ على الدوامِ، كأنه قال: لَزِمَ الْمَيْلَ إلى الأرض، ليُعجلَ الراحةَ واللَّذاتِ، يقال: فلانٌ مُخَلَّدٌ؛ أي بَطِيءُ الشَّيب. قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ }؛ أي انْقَادَ لهواهُ، فلم يرفعْهُ بالآياتِ، قال عطاءُ: (أرَادَ الدُّنْيَا وَاتَّبَعَ شَيْطَانَهُ)، وقال بعضُهم: (وَاتَّبَعَ هَوَاهُ) أي امرأتَهُ؛ لأنَّها كانت حَمَلَتْهُ على الخيانةِ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ ٱلْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث }؛ اللَّهْثُ: شِدَّةُ النَّفَسِ عند الإعياءِ، وهو في الكلب طَبْعٌ، فإنَّ كلَّ شيءٍ يَلْهَثُ من إعْيَاءٍ وعطشٍ ما خَلاَ الكلبَ، فإنَّهُ يَلْهَثُ في الأحوال كلِّها، فإنَّكَ إنْ طَرَدْتَهُ وزجرتَهُ يلهثُ، وإن تَرَكْتَهُ يلهثُ، فكذلك الكافرُ إنْ وَعَظْتَهُ وزَجرتَهُ لَمْ يتَّعِظْ، وإنْ تركتَهُ لَمْ يَعْقِلْ، وقال ابنُ عبَّاس: (مَعْنَاهُ أنَّ الْكَافِرَ إنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ الْحِكْمَةَ لَمْ يَحْمِلْهَا، وَإنْ تُرِكَ عَنْهَا لَمْ يَهْتَدِ إلَيْهَا، كَالْكَلْب إنْ كَانَ رَابضاً لَهَثَ، وَإنْ طُرِدَ لَهَثَ).

وَقِيْلَ: هو المنافقُ لا يُنيبُ إلى الحقِّ دُعِيَ أم لَمْ يُدْعَ، وُعِظ أو لَمْ يُوعَظْ، كالكلب يلهثُ تُرِكَ أو طُرِدَ، وكذلك الكافرُ إنْ وعظتَهُ فهو ضالٌّ، وإنْ تركتَهُ فهو ضالٌّ كالكلب، ونظيرهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى ٱلْهُدَىٰ لاَ يَتَّبِعُوكُمْ سَوَآءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَٰمِتُونَ } [الأعراف: 193].

قَوْلُهُ تَعَالَى: { ذَّلِكَ مَثَلُ ٱلْقَوْمِ ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا }؛ أي ذلك صفةُ المكَذِّبين بآياتنا، { فَٱقْصُصِ ٱلْقَصَصَ }؛ أي أقْصُصْ عليهم أخبارَ المنافقين؛ ليعتبرُوا بهم فلا يَسلِكُوا مسالِكَهم. وقوله تعالى: { لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ }؛ أي رجاءَ أن لا يتفَكَّروا.