الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱلَّذِي ۤ ءَاتَيْنَاهُ ءَايَاتِنَا فَٱنْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ ٱلشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ ٱلْغَاوِينَ }

وقولهُ تعالى: { وَٱتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ٱلَّذِيۤ ءَاتَيْنَاهُ ءَايَاتِنَا فَٱنْسَلَخَ مِنْهَا }؛ قال ابنُ عبَّاس وابنُ مسعودٍ: (نَزَلَتْ فِي بَلْعَمَ بْنِ بَاعُورَا)، قال مجاهدُ: (وَيُقَالُ لَهُمْ: بَلْعَمُ بْنُ بَاعِر)، وقال مقاتلُ: (وَيُقَالُ لَهُ أيْضاً: بَلْعَامُ، وكان عابداً من عُبَّاد بني إسرائيلَ، وكان في المدينةِ التي قصدَها موسى عليه السلام، وكان أهلُ تلك المدينةِ كُفَّاراً، وكان عندَهُ اسمُ الله الأعظم، فسألَهُ ملِكُهم أن يدعوَ على مُوسَى بالاسمِ الأعظمِ ليدفعَهُ عن تلك المدينةِ، فقال لَهم: دِينهُ ودِيني واحدٌ، وهذا شيءٌ لا يكون، فكيف ادعُو عليهِ وهو نبيُّ الله، ومعه الملائكةُ والمؤمنون، وأنا أعلمُ مِن الله ما أعلمُ، وإني إنْ فعلتُ ذلك ذهبَتْ دُنياي وآخرَتِي، فلم يزالُوا به يفتنونَهُ بالمالِ والهدايا حتى فَتَنُوهُ فَافْتَتَنَ.

فرَكِبَ أتَاناً له متوجِّهاً إلى جبلٍ ليدعُوَ عليه، فما سارَ على الأتَانِ إلاَّ قليلاً فرَبَضَتْ فَنزل عنها، فضربَها حتى كادَ يُهلِكُها، فقامَتْ فرَكِبَها فرَبَضَتْ، فضرَبَها فأنطقَها اللهُ تعالى، فقالت: يا بَلْعَمُ ويحَكَ أين تذهبُ؟ ألاَ ترَى إلى هؤلاءِ الملائكة أمَامِي تردُّني عن وجهي؟ فكيف تريدُ أنْ تذهبَ لتدعوَ على نبيِّ الله عليه السلام وعلى المؤمنين؟ فخلَّى سبيلَها، وانطلقَ حتى أتى إلى الجبل وحين وصل إلى الجبلِ، وجعل يدعُو فكان لا يدعُو بسُوءٍ إلاَّ صرفَ اللهُ لسانَهُ إلى موسَى، فقال له قومهُ: يا بلعمُ! إنَّما أنتَ تدعو علينا وتدعُو لهم؟ فقالَ: هذا واللهِ الذي أملِكهُ، وأنطقَ اللهُ به لسانِي.

ثم امتدَّ لسانهُ حتى بلغَ صدرَهُ، فقالَ لَهم: قد ذهبَ منِّي الآنَ الدُّنيا والآخرةَ فلم يَبْقَ إلا المكرُ والحيلة، فسَأَمكُرُ لكم وأحتالُ، حَلُّوا النساءَ وزيِّنُوهُنَّ وأعطوهن الطّيبَ، وأرسلُوهنِ إلى العسكرِ ومُرُوهُنَّ لا تمنعُ امرأةٌ نفسَها من رجلٍ أرادَها، فإنَّهم إنْ زَنى منهم رجلٌ واحد كُفِيتُمُوهُمْ، ففعَلُوا.

فلما دخلَ النساءُ العسكرَ مرَّتِ امرأةٌ منهم برجُلٍ من عُظماءِ بني إسرائيل، فقامَ إليها فأخذها بيدهِ حين أعجبتْهُ بحُسنِها، ثم أقبلَ بها إلى موسَى وقالَ له: إني لأَظُنُّكَ أنْ تقولَ هذه حرامٌ؟ قالَ: نَعَمْ هِيَ حَرَامٌ عَلَيْكَ لاَ تَقْرَبْهَا، قال: فواللهِ لا نطيعُكَ في هذا! ثم دخلَ بها قُبَّتَهُ فوقعَ عليها، فأرسلَ اللهُ على بني إسرائيل الطاعونَ في الوقتِ.

وكان فِنْحَاصُ بن العيزرا صاحبَ أمرِ مُوسَى، وكان رجُلاً له بسطَةٌ في الْخَلْقِ وقوَةٌ في البطشِ، وكان غائباً حين صنعَ ذلك الرجلُ بالمرأةِ ما صنعَ، فجاء والطاعونُ يَحُوسُ في بني إسرائيلَ، فأُخبرَ الخبرَ، فأخذ حَرْبَتَهُ وكانت مِن حديدٍ كلُّها، ثم دخلَ عليه القبَّة، فوجدَهما متضاجِعَين فدَقَّهُما بحربتهِ حتى انتظَمَهما بها جميعاً، فخرجَ بهما يحملُهما بالحربةِ رافعاً بهما إلى السَّماء، والحربةُ قد أخذها بذراعهِ واعتمدَ بمِرفَقِهِ وأسندَ الحربةَ إلى لِحيته وجعلَ يقولُ: اللَّهُمَّ هكذا نفعلُ بمَن يعصِيكَ، فرُفِعَ الطاعونُ من حينئذٍ عنهم فحُسِبَ مَن هَلَكَ من بني إسرائيلَ في ذلك الطاعونِ، فوجدُوهم سَبعِينَ ألفاً في ساعَةٍ من نَهارٍ وهو ما بين أنْ زَنَى ذلك الرجلُ بها إلى أن قُتِلَ.

السابقالتالي
2