الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ وَسْئَلْهُمْ عَنِ ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ ٱلْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي ٱلسَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ }

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَسْئَلْهُمْ عَنِ ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ ٱلْبَحْرِ }؛ معناهُ: سَلْ يا مُحَمَّدُ يهودَ المدينةِ عن القريةِ التي كانت بقُرب البحرِ وهي مدينة إيله على ساحلِ البحر بين المدينةِ والشَّام، وهذا سؤالُ توبيخٍ وتقريرٍ وتعريف لهم، لا سؤالَ تعريفِ من قِبَلِهم، وفي السؤالِ لهم بيانُ أنَّ يهود المدينةِ جَرَوا على عادةِ أسلافِهم في التمرُّدِ في المعصيةِ، فكأنَّ اللهَ تعالى أمَرَ نَبيَّهُ صلى الله عليه وسلم أن يسألَهم ما فعلَ اللهُ بأهلِ تلك القريةِ، أليس قد جعلَهُم اللهُ قردةً بمخالَفَتِهم أمرَ اللهِ، فما يُؤمِنَّكُمْ في تكذيب مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم من عذابِ الله.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { إِذْ يَعْدُونَ فِي ٱلسَّبْتِ }؛ أي حيث يتجاوزُونَ الحدَّ بأخذِهم السَّمَكَ في يومِ السَّبتِ، وقد أُمِرُوا أنْ لاَ يصطَادُوا فيه ويتفرَّغُوا للعبادةِ والطاعة. وقولهُ تعالى: { إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً }؛ قال ابنُ عباس: (أيْ ظَاهِرَةً عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ). وقال الضحَّاكُ: (مُتَتَابعَةً مِثْلَ الْكِبَاشِ الْبيضِ السِّمَانِ يَوْمَئِذٍ أنْ تُصَادَ). قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ } أي لا يكون يومُ السَّبت، كانت الحيتانُ تغوصُ في الماءِ ولا تأتِيهم شُرَّعاً.

وقرأ أبو نُهيك: (إذْ يُعِدُّونَ فِي السَّبْتِ) بضمِّ الياء وكسرِ العين وتشديدِ الدال؛ يُهَيِّؤُنَ الآلَةَ لأخذِهَا. وقرأ ابنُ السُّمَيقِعِ (فِي الأسْبَاتِ) على جمعِ السَّبتِ. وقرأ بعضُهم (إذ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ أسْبَاتِهِمْ شُرَّعاً) فجعلت طائفةٌ من أهلِ هذه المدينة يُلقُونَ الشَّبكةَ في الماءِ في يومِ السَّبت، ويقولون حتى يقعُ فيها السَّمكُ، ثم لا يُخرِجُونَ الشَّبكةَ من الماءِ إلاَّ يومَ الأحدِ، وقالوا إنَّما نصطادُ في يومِ الأحدِ، قَوْلُهُ تَعَالَى: { كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ }؛ أي كذلك نُشَدِّدُ عليهم في التَّكليفِ بعصيانِهم وفِسْقِهم.

ووقفَ بعضُ القُرَّاء على قولهِ: (كَذلِكَ) على معنى لا تأتِيهم في غيرِ يوم السَّبتِ كما تأتِيهم في يومِ السَّبت، ثُم ابتدأ فقالَ (نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسِقُونَ). فإنْ قِيْلَ: كيفَ عرَّفَ اللهُ الحيتانَ الفَضْلَ من يومِ السَّبت وغيره من الأيَّام؟ قِيْلَ: لا يمتنعُ أنَّ اللهَ عرَّفَها ذلك أو قوَّى دَوَاعِيَها؛ أي إلى الشُّروعِ في يوم السَّبتِ معجزةً لنبيِّ ذلك الوقتِ وابتلاءً لأُولئك القومِ.