الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَالُواْ مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ } * { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلطُّوفَانَ وَٱلْجَرَادَ وَٱلْقُمَّلَ وَٱلضَّفَادِعَ وَٱلدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلاَتٍ فَٱسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ }

قًوْلُهُ تَعَالَى: { وَقَالُواْ مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا }؛ قال الخليلُ: (أصْلُ (مَهْمَا): مَأْمَا، أُبْدِلَتِ الأَلِفُ الأُوْلَى هَآء لِتَخْفِيْفِ اللَّفْظِ). وقال بعضُهم: معنى (مَهْ): أُكْفُفْ. ثُم قال: (مَا تَأْتِنَا بهِ) بمعنى الشرطِ؛ أي ما تأتنا به من علامةٍ يا موسى { لِّتَسْحَرَنَا بِهَا } أي لِتُوهِمَنَا أنَّها الحقُّ، { فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ } أي بمصدقِّّين بالرسالةِ.

وكانُ موُسَى عليه السلام رجُلاً حديداً، فدعَا عليهم؛ فأرسلَ عليهم الطوفانَ كما قال عَزَّ وَجَلَّ: { فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلطُّوفَانَ وَٱلْجَرَادَ وَٱلْقُمَّلَ وَٱلضَّفَادِعَ وَٱلدَّمَ }؛ اختلفوا في الطُّوفَانِ ما هو؟ قال الضَّحاك: (الغَرَقُ). وقال عطاءُ ومجاهد: (الْمَوْتُ الْغَالِبُ الشَّائِعُ). وقال وهبُ: (الطُّوفَانُ: هُوَ الطَّاعُونُ بلُغَةِ أهْلِ الْيَمَنِ). وقال أبو قُلابة: (هُوَ الْجُدَريُّ؛ وَهُمْ أوَّلُ مَنْ عُذِّبوا بهِ، وَبَقيَ فِي النَّاسِ إلَى الآنَ). وقال الأخفشُ: (هُوَ السَّيْلُ الشَّدِيْدُ). وقال مقاتلُ: (هُوَ الْمَاءُ طَغَى فَوْقَ حُرُوثِهِمْ).

وقال بعضُهم: هو كثرةُ المطرِ والريح. الأظهرُ ما قالَهُ ابنُ عبَّاس: (أنَّهُ الْمَطَرُ الدَّائِمُ، أرْسَلَ اللهُ الْمَطَرَ عَلَيْهِمْ لَيْلاً وَنَهَاراً مِنَ السَّبْتِ إلَى السَّبْتِ، حَتَّى خَرَبَتْ أبْنِيَتُهُمْ، وَكَادَ أنْ يَصِيْرَ الْمَطَرُ بَحْراً، فَخَافُوا الْغَرَقَ).

قال ابنُ عبَّاس وسعيدُ بن جبير وقَتادةُ: (لَمَّا آمنتِ السَّحَرَةُ واغْتُلِبَ فرعونُ، وأبَى هو وقومهُ إلا الإقامةَ على الكفرِ والتَّمادي في الشرِّ، أخذهم اللهُ بالسِّنين، ونقصٍ من الثمرات، فلما عالَجهم موسى بالآياتِ الأربع: العَصَا؛ واليدِ؛ والسِّنين؛ ونقصٍ من الثَّمراتِ، دعَا فقالَ: يَا رَب! إنَّ عَبْدَكَ فرعونَ علاَ في الأرضِ وبغَى وعَتَى، وإن قومَهُ قد نقضوا عهدكَ وأخلفوا وعدكَ، ربي فَخُذْهُمْ بعقوبةٍ تجعلُها لَهم نقمةً ولقومي عِظَةً ولِمن بعدهم من الأمم عبرةً.

فبعثَ اللهُ عليهم الطوفانَ؛ وهو الماءُ أرسله عليهم من السَّماء حتى كادوا يهلَكُون، وبيوتُ بني إسرائيلَ وبيوتُ القِبْطِ مشبكةٌ مختلطة بعضُها ببعضٍ، فامتلأت بيوتُ القِبْطِ ماءً حتى قاموا في الماءِ إلى تراقيهم مَن جَلَسَ منهم غَرِقَ، ولَم يدخلْ بيوتَ بني إسرائيل من الماءِ قطرةٌ واحدة، فأقامَ ذلك عليهم سبعةَ أيَّام.

فقالوا: يا موسَى! أُدْعُ لنا ربَّكَ يكشف عنا المطرَ، فنؤمنَ بك ونُرْسِلَ معك بني إسرائيل. فدعا رَبَّهُ فكشفَ عنهم ذلك، وأرسلَ الريح فجفَّفت الأرض، وخرجَ من النباتِ شيءٌ لم يَرَوْا مثله، فقالوا: هذا الذي كُنَّا نَتَمَنَّاهُ، ومَا كان هذا الماءُ إلا نعمةً علينا وخصباً. فلا واللهِ لا نؤمنُ بكَ يا موسى، ولا نرسلُ معكَ بني إسرائيل.

فَنَقَضُوا العهدَ، وعَصَوا ربَّهم واقاموا على كفرهم شهراً، فبعثَ اللهُ عليهم الجرادَ، وغَشِىَ مصرَ منه أمرٌ عظيم حالَ بينهم وبين الماءِ وغَطَّى الشمسَ؛ ووقعَ على الأرضِ بعضُه على بعضٍ ذراعاً، فأَكَلَ جميعَ ما ينبتُ في الأرض؛ وأكلَ الأشجارَ؛ حتى أكلَ الأبوابَ وسُُقُوفَ البيوتِ والخشب والثياب والأمتعةَ؛ حتى مساميرَ الحديدِ، ولَمْ يدخل بيوتَ بني إسرائيل منه شيءٌ، فعجَّلُوا إلى موسى و؛ { وَقَالُواْ }: يا أيُّها الساحر! ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بَما عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إٍسْرَائِيلَ، وأرادوا بالساحرِ العالِم يُعَظِّمُونَهُ.

السابقالتالي
2 3