الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالُوۤاْ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِينَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ }

قَوْلُهُ تَعَالَى: { قَالُوۤاْ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِينَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا }؛ قال ابنُ عبَّاس: (وَذلِكَ أنَّ فِرْعَوْنَ عَادَ إلَى قَتْلِ أبْنَائِهِمْ، وَزَادَ فِي إتْعَابهِمْ فِي الْعَمَلِ، إذْ كَانَ يَسْتَعْمِلُهُمْ قَبْلَ مَجِيْءِ مُوسَى بضَرْب اللَّبنِ وَالْبنَاءِ، فَلَمَّا أتَاهُمْ مُوسَى غَضِبَ وَكَلَّفَهُمْ أيْضاً أشَدَّ مِنْ ذلِكَ).

قال وهبُ: (جَعَلَهُمْ أصْنَافاً فِي خِدْمَتِهِ: قَوْمٌ يَحْمِلُونَ السَّوَاري مِنَ الْجِبَالِ؛ وَقَدْ قُرِحَتْ أعْنَاقُهُمْ وعَوَانِقُهُمْ وَدَبَرَتْ ظُهُورُهُمْ مِنْ ثِقَلِ ذلِكَ، وَقَوْمٌ قَدْ جُرِحُوا مِنْ ثِقْلِ الْحِجَارَةِ وَالطِّيْنِ لِلْبنَاءِ، وَقَوْمٌ يَبْنُونَ الطِّيْنَ وَيَطْبخُونَ الآجُرَّ، وَقَوْمٌ نَجَّارُونَ، وَقَوْمٌ حَدَّادُونَ. وَأمَّا الضُّعَفَاءُ الَّذِيْنَ لاَ يُطِيْقُونَ الْعَمَلَ؛ فَجَعَلَ عَلَيْهِمْ الْخَرَاجَ يُؤَدُّونَهُ كُلَّ يَوْمٍ، فَمَنْ خَرَجَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ قَبْلَ أنْ يُؤَدِّيَ غُلَّتْ يَمِيْنُهُ إلَى عُنْقِهِ. وَأمَّا النِّسَاءُ فَيَغْزِلْنَ الْكِتَّانَ وَيَنْسِجْنَهُ).

فلما شَكَوا إلى موسى (قًَالُوا: أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا)، { قَالَ عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ }؛ يعني فرعونَ وقومه، { وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ }؛ أي ويجعلَ لكم سَكَناً في أرضِ مصرَ مِن بعدهم. و(عَسَى) كلمةُ إطماعٍ وما أطمعَ اللهُ فيه فهو واجبٌ؛ لأن الكريمَ إذا أطمعَ وإذا وَعَدَ وفَّى، فيصيرُ كأنهُ أوْجَبَهُ على نفسهِ. وقَوْلُهُ تَعَالَى: { وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ }؛ أي فَيَرَى عملَكم كيف تشكرون صُنْعَهُ، كأنهُ قال: وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ؛ لكي تعملوا بطاعةِ الله.