الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ فَالِقُ ٱلإِصْبَاحِ وَجَعَلَ ٱلْلَّيْلَ سَكَناً وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ حُسْبَاناً ذٰلِكَ تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ }

قَوْلُهُ تَعَالَى: { فَالِقُ ٱلإِصْبَاحِ }؛ أي شاقُّ عَمُودِ الصُّبح عن سوادِ الليل، وقال ابن عبَّاس: (مَعْنَاهُ: خَالِقُ الإصْبَاحِ). قال الزجَّاج: (الإصْبَاحُ وَالصُّبْحُ وَاحِدٌ، وَالأَصْبَاحُ جَمْعُ الصُّبْحِ). ويقالُ: الإصباحُ بكسر الألف المصدرٌ؛ ومعناهُ الدخولُ في ضوءِ النَّهار.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: { وَجَعَلَ ٱلْلَّيْلَ سَكَناً }؛ لتسكنُوا فيه من ظُلْمتهِ في أوطانكم. وقرأ الحسنُ: (فَالِقُ الأَصْبَاحِ) بالفتحِ جمعُ صُبْحٍ، (وَجَاعِلُ الْلَّيْلِ سَكَناً) يسكنُ فيه خَلْقُه. وقرأ النخعيُّ: (وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا) على الفعلِ في معناه: نَوَّرَ النهارَ بالنور؛ لتبتغُوا من فضلهِ، وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: { وَٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ حُسْبَاناً }؛ نصبُ الشَّمسِ على معنى: (وَجَعَلَ)؛ لأنَّ في (جَاعِلُ) معنى جَعَلَ؛ أي جعلَ منازلَ الشمسِ والقمرِ بحُسْبَانٍ معلومٍ لا يختلفُ، إذا انتهَى إلى أقصى منازلهِ رجعَ، فإن الشَّمسَ تدورُ على الفَلَكِ كلِّه في ثلاثِمائة وخمسةٍ وستِّين يوماً ورُبع يومٍ، والقمرَ يدورُ على الفَلَكِ كلِّه في ثَمانٍ وعشرين ليلةً، ويكون مستُوراً في ليلتين، ثم يعودُ إلى ما كان، فيعرفُ الناسُ بذلكَ آجالَ عقودِهم، وأوقاتَ معاملاتِهم وعباداتِهم، وسنينَ أعمارهم.

والْحُسْبَانُ: مصدرٌ، يقال: فُلانٌ حُسْبَانُهُ على اللهِ؛ أي حِسَابُهُ على اللهِ. ويقال: إنَّ الْحُسْبَانَ جمعُ حِسَابٍ، كما يقال: شِهَابٌ وَشُهْبَانٌ. قَوْلُهُ تَعَالَى: { ذٰلِكَ تَقْدِيرُ ٱلْعَزِيزِ ٱلْعَلِيمِ }؛ أي ذلك الذي وَصَفَ تدبيرَ العزيزِ المنيع في سُلطانهِ، الغالب الذي لا يُغلبُ، العالِمِ بمصالح مَملكتهِ.