الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَوْ جَعَلْنَٰهُ مَلَكاً لَّجَعَلْنَٰهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ }

قَوْلَهُ عَزَّ وَجَلَّ: { وَلَوْ جَعَلْنَٰهُ مَلَكاً لَّجَعَلْنَٰهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ }؛ أي لو أرسَلنا إليهم رسُولاً من الملائكةِ لأرسلناهُ في صورةِ الإنسان؛ لأنَّهم لا يستطيعون النظرَ إلى الملائكَةِ؛ لأنَّ ذلك يؤدِّي إلى هلاكِهم؛ وليكونَ الشكلُ إلى الشكلِ أميلَ، وبه الذهن إلى الفهمِ عنه أقربَ، وإلى القَبول منه أسرع، ولو نظرنا إلى الْمَلَكِ على هيبتهِ لصُعِقْنَا.

وقد كانتِ الملائكةُ تأتِي الأنبياءَ فِي صورة الإِنسانِ؛ من ذلك أنَّ جبريلَ عليه السلام كان يأتِي النبِيَّ صلى الله عليه وسلم في صورةِ دحية الْكَلْبِيَّ، وجاءتِ الملائكةُ إلى إبراهيمَ عليه السلام في صورةِ الضَّيفين، وجاءتِ الملائكةُ إلى داودَ عليه السلام في صورة رَجُلَيْنِ يختصمان إليه، وذلكَ قََوْلُهُ تَعَالَى: { وَلَوْ جَعَلْنَٰهُ مَلَكاً لَّجَعَلْنَٰهُ رَجُلاً } أي لو أنزلنا إليهم مَلَكاً لجعلنا ذلكَ في صورةِ الرَّجُلِ أيضاً.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ } أي اخْتَلَطْنَا وشَبَّهْنَا عليهم ما يَخْلُطُونَ على أنفسِهم حتى شَكُّوا؛ فلا يدرونَ أمَلَكٌ هو أم رجُلٌ؟ وهذا لأنَّهم أنكرُوا نبوَّةَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم بعدَما عرفُوه بالصدقِ والأمانةِ، ثم لَبَسُوا على أنفسهم وعلى ضَعَفَتِهِمْ؛ فقالوا: إنَّما هو بَشَرٌ، فلو نزلَ الملَك على صورةِ رجلٍ لَلَبَسُوا على أنفسهم أيضاً فلم يقبلُوا منه وقالوا: إنهُ في مِثْلِ صورَتنا!