الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ وَذَرِ الَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَآ أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ أُبْسِلُواْ بِمَا كَسَبُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ }

قَوْلُهُ تَعَالىَ: { وَذَرِ الَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَعِباً وَلَهْواً وَغَرَّتْهُمُ ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَا }؛ أي ذر الْكُفَّارَ الذين اختارُوا في أنفسهم اللَّعِبَ والباطلَ والاستهزاء. ويقال: معناهُ: الذين اتَّخذوا دينَهم بهوى أنفسهم، ومن اتَّخذ دينَهُ بهوى نفسهِ فهو لاعبٌ. وقال الفرَّاء في معنى الآية: (لَيْسَ مِنْ قَوْمٍ إلاَّ وَلَهُمْ عِيْدٌ يَلْهُونَ فِيْهِ، إلاَّ أمَّةَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فَإنَّ أعْيَادَهُمْ صَلاَةٌ وَتَكبيْرٌ وَبرٌّ وَخَيْرٌ). وقَوْلُهُ تَعَالَى: { وَغَرَّتْهُمُ ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَا } معناه: وَشَغَلَتْهُمُ الحياة الدُّنيا بما فيها من زهرتِها وزينتِها.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَذَكِّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ }؛ ِأي ذكِّرْ بالْقُرْآنِ وعِظْ بهِ كراهةَ أنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بمَا كَسَبَتْ. ويقال: قَبْلَ أنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ. ويقال: لئلا تُبْسَلَ نَفْسٌ؛ أي لئلا تَهلِكَ نفسٌ. وقال الحسنُ ومجاهد وعكرمة والسدي: (تُبْسَلَ: أيْ تُسَلَّمَ لِلْهَلَكَةِ).

وقال ابنُ زيد: (معناه: وَذكِّرْ بهِ أنْ تُبْسَلَ؛ أيْ لَئِلاَّ تَبْسَلَ؛ أيْ لَئِلاَّ تُؤْخَذ). وعن ابنِ عبَّاس: (أن تُفْضَحَ). وقال الأخفشُ: (أنْ تُبْسَلَ: أنْ تُجَازَى). وقال الفرَّاء: (تَرْتَهِنَ)، وقال عطيةُ العوفِي: (مِنْ قَبْلِ أنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ؛ أيْ مِنْ قَبْلِ أنْ تُسَلَّمَ إلَى خَزَنَةِ جَهَنَّمَ). والْمُتَبَسِّلُ: الْمُسْتَسْلِمُ.

قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: { لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ }؛ أي ليس لتلك النفس مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيٌّ ولاَ شَفِيعٌ؛ أي قريبٌ يَمنع العذابَ عنها ولا شفيعٌ يشفعُ لَها في الآخرة. قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَآ }؛ أي لو جاءَت مكانَها بكلِّ ما كان في الأرضِ جميعاً افتداءً عن نفسها لا يُقْبَلُ منها. وسُمي الفداءُ عدلاً؛ لأنه مِثْلٌ للشيء، ويقالُ لأحد جَانبِي الحجل: عِدْلٌ بالكسرِ؛ لأن كلَّ واحدٍ من العِدلين مِثْلٌ لصاحبهِ، فمعنى الآيةِ: وإن تَفْتَدِي بكلِّ فداءٍ لا يُؤخَذُ منها.

وقوله تعالى: { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ أُبْسِلُواْ بِمَا كَسَبُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ }؛ أي وجيعٌ؛ { بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ }؛ أي بما كانوا يَجْحَدُونَ في الدُّنيا بمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم والْقُرْآنِ.