الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ هُوَ ٱلْقَادِرُ عَلَىٰ أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ٱنْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ ٱلآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ }

وقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: { قُلْ هُوَ ٱلْقَادِرُ عَلَىٰ أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ }؛ راجعٌ إلى مشركي مكَّة؛ أي قُلْ لَهم يا مُحَمَّد: { هُوَ ٱلْقَادِرُ عَلَىٰ أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ } كما بعثَ على قومِ نوحٍ ولُوطٍ من الطوفانِ والحجَارة، { أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ }؛ أي هو القادرُ على أن يَخْسِفَ بكم، كما فعلَ بقَارُونَ وقومِه. ويقالُ: أراد بقوله: { عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ } الظلمةَ، { أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ } أو يُغَلِّبَ عليكم سفهاءَكم.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً }؛ معناه: أو يَخْلِِطَكُمْ فِرقاً مختلفِي الأهواء، بأن يضربَ بعضَكم ببعضٍ بما يلقيهِ بينكم من العداوةِ. وقيل: معنى: { يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً } يَكِلْكُمْ إلى أنفسِكم ويُخْلِيْكُمْ من الطاعةِ بذنوبكم؛ فتختلفُوا حتى يذوقَ بعضُكم شدَّة بعضٍ بالحرب والقتال. وقالَ: { وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ }؛ يعني بالسيُّوف يَقْتُلُ بعضُكُمْ بعضاً.

وقَوْلُهُ تَعَالَى: { ٱنْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ ٱلآيَاتِ }؛ أي انظُرْ يا مُحَمَّد كيف نُبَيِّنُ لَهم الآيةَ على إثْرِ آيةٍ، { لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ }؛ أي لكي يَفْقَهُوا أوامرَ اللهِ، ثم هم لا يفقهون.

قال ابنُ عبَّاس: (لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ؛ شُقَّ ذلِكَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فقَالَ: " " يَا جِبْرِيْلُ، مَا بَقَاءُ أُمَّتِي عَلَى هَذِهِ الْخِصَالِ الأَرْبَعِ؟! " فَقَالَ: إنَّمَا أنَا عَبْدٌ مِثْلُكَ، فَادْعُ رَبَّكَ وَاسْأَلْهُ لأُمَّتِكَ. فَقَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم؛ فَتَوَضَأَ وَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ؛ ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى وَأحْسَنَ الصَّلاَةَ؛ ثُمَّ سَأَلَ اللهَ أنْ لاَ يَبْعَثَ عَلَى أُمَّتِهِ عَذاباً مِنْ فَوْقِهِمْ وَلاَ مِنْ تَحْتِ أرْجُلِهِمْ، وَلاَ يُلْبسَهُمْ شِيَعاً، وَلاَ يُذِيْقَ بَعْضَهُمْ بَأْسَ بَعْضٍ، فَنَزَلَ جِبْرِيْلُ عليه السلام؛ فَقَالَ: يَا مُحَمَّد؛ إنَّ الله قَدْ سَمِعَ مَقَالَتَكَ، وَإنَّهُ قَدْ أَجَارَهُمْ مِنْ خِصْلَتَيْنِ: أنْ لاَ يَبْعَثَ عَلَيْهِمْ عذاباً مِنْ فَوْقِهِمْ، وَلاَ مِنْ تَحْتِ أرْجُلِهِمْ، وَلَمْ يُخْرِجْهُمْ مِنَ الْخَصْلَتَيْنِ الأُخْرَتَيْنِ ".

وقال صلى الله عليه وسلم: " سَأَلْتُ رَبِي أنْ لاَ يَبْعَثَ عَلَى أُمَّتِي عَذاباً مِنْ فَوْقِهِمْ، وَلاَ مِنْ تَحْتِ أرْجُلِهِمْ؛ فأَعْطَانِي ذلِكَ. وَسَأَلْتُهُ أنْ لاَ يَجْعَلَ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ، فَمَنَعنِي ذلِكَ، وَأخْبَرَنِي جِبْرِيْلُ أنَّ فَنَاءَ أُمَّتِي بالسَّيْفِ ".