الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَذٰلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِّيَقُولوۤاْ أَهَـٰؤُلاۤءِ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَآ أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِأَعْلَمَ بِٱلشَّٰكِرِينَ }

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَكَذٰلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِّيَقُولوۤاْ أَهَـٰؤُلاۤءِ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَآ }؛ قال ابنُ عَبَّاس: معناه: (وَكَذِلكَ ابْتَلَيْنَا (بَعْضَهُمْ ببَعْضِ): الْعَرَبِيَّ بالْمَوَالِي؛ وَالْغَنِيَّ بالْفَقِيْرِ؛ وَالشَّرِيْفَ بالْوَضِيْعِ؛ لِيَقُولَ الأَغْنِيَاءُ وَالأَشْرَافُ مِثْلُ عُيَيْنَةَ بْنِ حُصَيْنٍ الَّذِي دَخَلَ عَلَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ لَهُ: لَوْ طَرَدْتَ هَؤُلاَءِ السَّفَلَةَ، وَمِثْلَ أَصْحَابِهِ؛ كَانُواْ يَقُولُونَ: هَؤُلاَءِ - يَعْنُونَ سَلْمَانَ وَأصْحَابَهُ - مَنَّ اللهُ عَلَيْهِمْ بالْمَغْفِرَةِ وَالإِسْلاَمِ مِنْ بَيْنِنَا). وقال الكلبيُّ: (هُوَ أنَّ الشَّرِيْفَ إذا نَظَرَ إلَى الوَضِيْعِ قَدْ أَسْلَمَ قَبْلَهُ اسْتَنْكَفَ أنْ يُسْلِمَ، وَقَالَ: قَدْ سَبَقَنِي هَذا بالإسْلاَمِ؛ فَلاَ يُسْلِمُ).

ومعنى (اللام) في قوله: { لِّيَقُولوۤاْ } لامُ العاقبة؛ ومعناهُ: ليكونَ عاقبةُ أمرهِما؛ قال الأغنياءُ والأشراف: أهؤلاءِ المستضعفونَ فضَّلهم اللهُ علينا. ونظيرُ هذه اللاَّم في هذهِ الآية قَوْلُهُ تَعَالَى:فَٱلْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً } [القصص: 8]، ومعلومٌ أنُّهم لم يلتقطوهُ لأجلِ أن يكون لَهم عدوّاً وحَزَناً، ولكن عاقبةُ التقاطِهم إياه أنْ صارَ لَهم عدُوّاً وحَزَناً.

وقال بعضُهم: اللامُ في قوله: { لِّيَقُولوۤاْ } معناها الاستفهامُ؛ أي ليقولَ بعضُهم لبعضٍ استفهاماً لا إنْكاراً: أهَؤُلاءِ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا بالإيْمانِ.

والفائدةُ في ذلك أن الأغنياءَ كانوا شاكِّين في أن سَبْقَ الفقراءِ إلى الإِيْمان وصبرِهم على طريقةِ الدِّين؛ هل يوجبُ أن تكونَ نعمةً من الله عظيمة عليهم، فأمرَهُم اللهُ تعالى أن يَسْتَفْهِمُوا من الرسولِ صلى الله عليه وسلم ما لأجلهِ يقومُ الفقراء بحضرةِ الرسُول صلى الله عليه وسلم واستحقُّوا الإعظامَ، فيظهرُ عند الاستفهامِ جوابُ النبِيُّ صلى الله عليه وسلم، ويكون في سَماعهِم لذلكَ مصلحةٌ عظيمة توجبُ رضَاهُم بتقديمِ النبِيِّ صلى الله عليه وسلم أهلَ الدين. قَوْلُهُ تَعَالَى: { أَلَيْسَ ٱللَّهُ بِأَعْلَمَ بِٱلشَّٰكِرِينَ }؛ استفهامٌ بمعنى التحقيقِ على معنى أنَّ اللهَ أعلمُ بمن هو من أهلِ التوحيد والثَّواب.