الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَّا فَرَّطْنَا فِي ٱلكِتَٰبِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ }

قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ }؛ أي ما مِنْ دابَّة تدبُّ وتتحرَّك على وجهِ الأرض، وَلا طَائِرٍ يُطِيرُ بجَنَاحَيْهِ في الْهَوَاءِ، إلا أُمَمٌ أمْثَالُكُمْ، في الفقرِ والفَاقَةِ والحاجة إلى مُدَبرٍ يدبرهم في أغذِيَتهم وأكنَّتهم وهدايتهم إلى مراشِدهم ومصالِحهم.

وقيل: معناهُ: إلا أممٌ أمثالُكم في الْخَلْقِ والرزقِ والموت البعثِ؛ لأنهُ قال:وَٱلْمَوْتَىٰ يَبْعَثُهُمُ ٱللَّهُ } [الأنعام: 36] فيكونُ معناه: { وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ } في أنَّ الله يُمِيْتُهَا ويَبْعَثُهَا للجزاء. وقيلَ: معناهُ: { إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ } يَفْقَهُ بعضُه عن بعضٍ، كما يفقهُ بعضكم عن بعضٍ.

وذِكْرُ الجناحين في الآية على جهةِ التَّأكيد؛ لأنه يقالُ: طَارَ فلانٌ في الأمرِ؛ أي أَسْرَعَ، وفلانٌ طُيْرٌ من الطُّيور؛ لسرعتهِ في الأمور. وقيل: ذِكْرُ الجناحين في الآيةِ لبيان أنَّ المرادَ به الطيرُ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { مَّا فَرَّطْنَا فِي ٱلكِتَٰبِ مِن شَيْءٍ }؛ معناهُ: ما تركنا في اللَّوح المحفوظِ شيئاً إلا كَتَبْنَاهُ فيه. ويقالُ: ما تركنا بيانَ شيءٍ فِي الْقُرْآنِ فيما يَحتاجون إليه من أحكام الدِّين والدُّنيا، بل قدْ بَيَّنَّا في الكتاب كلَّ شيء إما مُفَصَّلاً أو مُجْمَلاً، أما الْمُفَصَّلَ كقولهِ تعالى:ٱلنَّفْسَ بِٱلنَّفْسِ وَٱلْعَيْنَ بِٱلْعَيْنِ } [المائدة: 45] وأما الْمُجْمَلُ كقوله:وَمَآ آتَاكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَٱنتَهُواْ } [الحشر: 7].

وقوله تعالى: { ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ }؛ معناهُ: أنَّ الطيورَ والدوابَّ يجمعون مع سَائِرِ الْخَلْقِ يومَ القيامةِ للحساب والجزاء، كما روي في الخبر عن رَسولِ الله صلى الله عليه وسلم أنَّهُ قَالَ: " إنَّ اللهَ تََعَالَى يَحْشُرُ الْخَلْقَ كُلَّهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؛ وَالْبَهَائِمَ وَالدَّوَابَّ والطَّيْرَ وَكُلَّ شَيْءٍ؛ فَيَبْلُغُ مِنْ عَدْلِ اللهِ تَعَالَى يَوْمَئِذٍ أنْ يَأْخُذ لِلْجَمَّاءِ مِنَ الْقَرْنَاءِ، فَإذا مُيِّزَ بَيْنَ أَهْلِ الْجَنَِّةِ وَالنَّار؛ قَالَ لِلْبَهَائِمِ وَالْوُحُوش وَالطُّيُور: كُونُوا تُرَاباً تَسْتَوِي بكُمُ الأَرْضُ، فَتكُونُ تُرَِاباً، فَعِنْدَ ذلِكَ يَتَمَنَّى الْكَافِرُ فَيَقُولُ: يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَاباً ".

والمرادُ بهذا الإفناءِ للبهائمِ بعد أنْ أحياهَا أنهُ إفناءٌ لا يكون فيه ألَمٌ.