الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذٰلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُسْلِمِينَ }

قَوْلُهُ تَعَالَى: { قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ }؛ أي قُلْ لَهم يا مُحَمَّدُ: إنَّ صلاتِي بعدَ الصَّلواتِ الخمسِ المفروضة، { وَنُسُكِي } أي طَاعَتِي، وأصلُ النُّسُكِ: كُلُّ مَا يُتَقَرَّبُ بهِ إلَى اللهِ تَعَالَى، ومنه قولُهم لِلْعَابدِ: نَاسِكٌ. وقال ابنُ جبير: (مَعْنَاهُ: { وَنُسُكِي } فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ للهِ رَب الْعَالِميْنَ). ويقالُ: أراد بالصلاةِ صلاةَ العِيْدِ، وبالنُّسُكِ الأضْحِيَةَ.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: { وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي } أي وَحَيَاتِي ومَوتِي للهِ رب الخلائقِ كلِّهم. وإنَّما أضافَ الْمَحْيَا والْمَمَاتَ إلى الله وإن لم يكن ذلكَ مِمَّا يُتقَرَّبُ به إليهِ؛ لأن الغرضَ بالآية التَّبَرُّئَ إلى اللهِ تعالى من كلِّ حَوْلٍ وقُوَّةٍ والإقرارَ له بالعبوديَّة. وَقِيْلَ: المرادُ بذلك أنَّ الله تعالى هو الْمُخْتَصُّ بأن يُحْييهِ ويُميتَهُ؛ لا شريكَ له في ذلك.

قَوْلُهُ تَعَالَى: { لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذٰلِكَ أُمِرْتُ }؛ أي أمَرَنِي بذلك، { وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُسْلِمِينَ }؛ أي أوَّلُ مَنِ استقامَ على الإيْمان من أهلِ هذا الزمان. قرأ أهلُ المدينة: (وَمَحْيَايْ) بسكون الياء. وقرأ الباقون بفتحِها كَيْلاً يجتمعَ سَاكِنَانِ. وقرأ السلميُّ: (وَنُسْكِي) بإسكانِ السِّين.

وعن أنس رضي الله عنه عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم؛ " أنَّهُ قَرَّبَ كَبْشاً أمْلَحَ أقْرَنَ؛ فَقَالَ: " لاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ؛ وَاللهُ أكْبَرُ؛ إنَّ صَلاَتِي وَنُسْكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي للهِ رَب الْعَالَمِينَ، لا شَرِيكَ لَهُ " الآيةُ، ثمَّ ذَبَحَ فَقَالَ: " شَعْرُهُ وَصُوفُهُ فِدَاءٌ لِشَعْرِي مِنَ النَّار، وَجِلْدُهُ فِدَاءٌ لِِجِلْدِي مِنَ النَّارِ، وَعُرُوقُهُ فِدَاءٌ لِعُرُوقِي مِنَ النَّار " فَقَالُواْ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ هَنِيْئاً مَرِيْئاً؛ هَذا لَكَ خَاصَّةً؟ فَقَالَ: " لاَ؛ بَلْ لأُمَّتِي عَامَّةً إلَى أنْ تَقُومَ السَّاعَةُ، أخْبَرَنِي بذلِكَ جِبْرِيلُ عليه السلام عَنْ رَبِي عَزَّ وَجَلَّ " ".