قَوْلُهُ تَعَالَى: { سَيَقُولُ ٱلَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَآ أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا }؛ أي آباؤُنا من قبلِنا الذين اسْتَنَنَّا بهم، { وَلاَ حَرَّمْنَا }؛ على أنفسِنا؛ { مِن شَيْءٍ }؛ من الحرْثِ والأنعام، ولكنه شَاءَ لنا الشِّرْكَ والتحريمَ. قَالَ اللهُ تَعَالَى: { كَذٰلِكَ كَذَّبَ }؛ أي قالَ؛ { ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِم }؛ أي هكذا كَذبَ الذين مِنْ قبلِهم رُسُلَهُمْ كما كَذبَ قومُك، { حَتَّىٰ ذَاقُواْ بَأْسَنَا }؛ أي عذابَنا. ومن قرأ (كَذلِكَ كَذبَ الَّذِينَ) بالتخفيفِ؛ فمعناهُ: كما كَذبَ قومُك على اللهِ؛ كذلك كَذبَ مَن قبلَهم من الأُمَمِ الخالية على اللهِ؛ حتى ذاقُوا عذابَنا. قَوْلُهُ تَعَالَى: { قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَآ }؛ أي قل لَهم يا مُحَمَّد: هَلْ عندَكم من عِلْمٍ من بَيَانٍ وحُجَّةٍ غير ما في القُرْآنِ؛ فَبَيِّنُوهُ لَنَا، { إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ }؛ يعني ظَنَّهُمْ في تحريمِ البَحِيْرَةِ والسَّائِبَةِ وَالْوَصِيْلَةِ وَالْحَامِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ }؛ أي ما أنتم إلاَّ تَكْذِبُونَ على اللهِ. قال المشركون: لو شاءَ الله ما أشْرَكْنَا، على وجهِ الاستهزاء؛ فكذبَهم اللهُ في ذلك، وإنْ كانت المشيئةُ حقّاً كما في سورة (المنافقون):{ إِذَا جَآءَكَ ٱلْمُنَافِقُونَ قَالُواْ نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَٱللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ } [المنافقون: 1] فكذبَهم الله في قولِهم: إنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ؛ وإن كان ذلك حَقّاً؛ لأنَّهم قالوا على وجهِ الاستهزاء. قَوْلُهُ تَعَالَى: { وَلاَ آبَاؤُنَا } عطفٌ على الْمُضْمَرِ المتَّصل؛ معناهُ: ما أشْرَكْنَا نحنُ ولا آباؤنا. ثُمَّ اعْلَمْ أنَّ بعضَهم قال: إنَّ مشيئةَ المعاصي إذا أُضيفت إلى اللهِ تعالى كان معناها الْخُذْلاَنَ مجازاةً لَهم على سُوءِ أفعالِهم، وإصرارهم على المعصيةِ.