الرئيسية - التفاسير


* تفسير التفسير الكبير / للإمام الطبراني (ت 360 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمِنَ ٱلإِبْلِ ٱثْنَيْنِ وَمِنَ ٱلْبَقَرِ ٱثْنَيْنِ قُلْ ءَآلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ ٱلأُنْثَيَيْنِ أَمَّا ٱشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ ٱلأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنتُمْ شُهَدَآءَ إِذْ وَصَّٰكُمُ ٱللَّهُ بِهَـٰذَا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ ٱلنَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّٰلِمِينَ } * { قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَآ أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَىٰ طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ فَمَنِ ٱضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }

وقَوْلُهُ تَعَالَى: { وَمِنَ ٱلإِبْلِ ٱثْنَيْنِ }؛ أي وَأنْشَأَ مِنَ الإِبلِ اثْنَيْنِ؛ ذكَرٍ وأُنثى من جملةِ الثمانيةِ الأزواجٍ، { وَمِنَ ٱلْبَقَرِ ٱثْنَيْنِ }؛ ذكَرٍ وأُنثى، { قُلْ ءَآلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ }؛ أي قُلْ لَهم يا مُحَمَّد: إنَّكم تُحَرِّمُونَ الولدَ من الجاموس والإبلِ والبقرِ على النِّساء، فمِنْ أينَ جاء هذا التحريمُ؛ مِن قِبَل الذكور؛ { أَمِ ٱلأُنْثَيَيْنِ }؛ أي مِن قِبَلِ الإناث؟ { أَمَّا ٱشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ ٱلأُنْثَيَيْنِ } ، أي مَن الذي اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أرْحَامُ الأُنَثَيَيْنِ، { أَمْ كُنتُمْ شُهَدَآءَ إِذْ وَصَّٰكُمُ ٱللَّهُ بِهَـٰذَا }؛ أي أمْ شاهَدتُم اللهَ تعالى حرَّم هذه الأشياءِ التي تحرِّمونَها وأمرَكم بتحريْمها.

يعني إذا كُنْتُمْ لا تُقِرُّونَ بِنَبِيٍّ من الأنبياءِ؛ فمِن أينَ عَلِمْتُمْ تحريمَ اللهِ؛ أبالْقِيَاسِ؟ لأنَّ الله تعالى أمَرَ نَبيَّهُ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ أن يُنَاظِرَهُمْ، ويُبَيِّنَ بالحجَّةِ فسادَ قولِهم وبطلانَ اعتقادِهم، فلمَّا نزلَتْ هذه الآيةُ " قَرَأهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم على أبي الأحْوَصِ الْجُشَمِي ومَالِكِ بْنِ عَوْفٍ - وكان هو الَّذي يُحَرِّمُ لَهم، وكانوا يرجعون إليه فيه - فَسَكَتَ مَالِكُ وَتَحَيَّرَ فِي الْجَوَاب. فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: " مَا لَكَ يَا مَالِكُ لاَ تَتَكَلَّمُ؟ " فَقَالَ لَهُ مَالِكُ: بَلْ تَكَلَّمْ أَنْتَ؛ أنَا أسْمَعُ ".

فنزلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: { فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ ٱلنَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ }؛ هذا استفهامٌ بمعنى التَّوْبِيْخِ وَالتَّعَجُّب؛ معناه: أيُّ أحدٍ أعْتَى وأجرأ على اللهِ مِمَّنِ اختلقَ على اللهِ كَذِباً { لِيُضِلَّ ٱلنَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ } أي لِيَصْرِفَ الناسَ عن دِينه وحُكْمِهِ بالْجَهْلِ، { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلظَّٰلِمِينَ }؛ أي لا يَهْدِيْهِمْ إلى الْحُجَّةِ فيما افْتَرَواْ على اللهِ، ويقالُ: لا يهديهم إلى حُجَّتِهِ وثوابهِ.

فلما نزلَتْ هذه الآيةُ قال مالكُ بنُ عوفٍ: فِيْمَ هذا التحريمُ الذي حَرَّمَهُ آباؤُنا من السَّائِبَةِ والوَصِيْلَةِ والْحَامِ وَالْبَحِيْرَةِ؟ فَأنزلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: { قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَآ أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَىٰ طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ ٱللَّهِ بِهِ }؛ فقرأ النبيُّ صلى الله عليه وسلم الآية، ثُمَّ قَالَ: " يَا مَالِكُ؛ أسْلِمُ " فَقَالَ: إنِّي امْرِؤٌ مِنْ قَوْمِي فَأُخْبرُهُمْ عَنْكَ. فأَبَى قَوْمُهُ؛ فَقَالُواْ: كَيْفَ رَأيْتَ؟ فَقَالَ: رَأَيْتُ رَجُلاً مُعَلَّمًا. وَذكَرَ لَهُمْ؛ فَقَالُواْ: إنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ.

ومعنى الآية: قُلْ لَهم يا مُحَمَّدُ: لاَ أجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إلَيَّ من القرآن شيئاً مُحَرَّماً عَلَى آكِلٍ يَأْكُلُهُ إلاَّ أنْ يَكُونَ مَيْتَةً لَمْ يُذكَّ؛ وهي تَموتُ حَتْفَ أنْفٍ. فمَنْ قرأ { إِلاَّ أَن يَكُونَ } بالياء فعلى معنى: إلاَّ أن يكونَ المأكولُ ميتةً. ومن قرأ بالتاء؛ فعلى معنى: إلا أن تكونَ تلك الأشياءُ ميتةً. وقرأ عَلِيٌّ رضي الله عنه: (يَطَّعِمُهُ) بتشديدِ الطاء، فأدْغَمَ التاءَ في الطاء.

السابقالتالي
2